IMLebanon

أتركوا خليج مار جرجس يتنفس…

 

مستغلّو السلطة إلى المحاكمة

 

الإسم: محمد أحمد الصفدي. الموضوع: “الزيتونة باي”. الإدعاء: ثورة 17 تشرين. التهمة: إساءة استغلال السلطة. القانون: يبقى المتهم بريئاً حتى إثبات الجرم وانطلقت القضية…

هل عاد الى اسمه؟

 

 

نحن في وسط بيروت، في السوليدير، في ميناء الحصن، في الزيتونة باي، في خليج مار جرجس. نحن في كلِها ما دام كلها واحداً! هذا هو لبنان حيث اللامنطق منطق والعجيب مسار!

 

هنا، حيث نقف، على ممشى الزيتونة، في ملكٍ عام. وهناك، في المقلب الآخر، حيث “نادي اليخوت” والمطاعم في ملك خاص. وفي الملك الخاص، تجاوزات. وفي الملك العام، ممنوعات. وبين ما هو مسموح وما هو ممنوع تبرز أسماء وارتكابات واتهامات، من زمانٍ وزمان، لكلّ ما أحاط إنجاز مشروع “الزيتونة” كما الكثير الكثير من المشاريع التي تترامى على مساحة لبنان ودائماً بتوقيع سياسيين وزعماء أمسكوا رقاب العباد وظنوا أن لا أحد أبداً سيتمكن من التفلت من الطوق. أخطأوا. والطوق فُكّ. وشظايا ملف الزيتونة باي أصابت، هذه المرة، أصحابها أولاً.

حفرة نفرة

 

البارحة، بينما كان محمد الصفدي أمام النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم يُقدم له شرحاً مفصلاً حول الزيتونة باي، سرحنا في “الخليج البيروتي”. وهناك، في ساعات الظهر، كان صيادو عين المريسة يقفون مثل “صفّ العسكر” على طول الممشى الخشبي الطويل وهم يرمون “طعمهم” الى الأسماك التي اختارت أن تأخذ الأوكسجين من بحر هذه البقعة المصنفة، في رأي البعض “للأغنياء فقط”. تبدل المشهد هنا، في شهر، من الأرض الى السماء. صنارة ونرجيلة وأكياس نايلون. هنا سمك البوري كثير. البوري يحب المازوت الذي ينساب من محركات القوارب. والصيادون يحبون البوري. مريم، الصيادة التي “تخاوت” مع بحر عين المريسة انتقلت الى زيتونة باي. هناك تصطاد أسماك “الشاليمون” وتبيعها “شلفة”. زمان (قبل أسبوعين) كانت تأتي ليلاً الى الزيتونة باي لتُطعم الأسماك. وتخبر عن الصيادة جانيت، زميلتها في مهنة الصيد، التي كانت تدأب على المجيء الى هنا قبل أن تغادر هذه الدنيا. الصيد لم يكن ممنوعاً لكن كان منظماً هنا في ساعات محددة.

 

نتابع السير. العقاران 1455 و1456 اللذان يُشكلان الزيتونة باي تغيرا كثيراً. المقاهي المنتشرة “حفرة نفرة” والعاملون يتقاضون نصف معاش. نراقب حولنا. ثمة فلسفة فينيقية تُرجمت في بناء الواجهة البحرية من تخطيط وتصميم وتنفيذ ستيفن هول. وفي التصوّر الفلسفي الذي وُضع هندسياً أن سفينة فينيقية ضربت الشاطئ محدثة شكل المشروع المتناثر الزوايا، الغريب العجيب التكوين.

 

هل هناك إساءة في استخدام السلطة؟ هل هناك تجاوزات في تلك البقعة؟ هل المتهم بالإساءة محمد الصفدي مذنب؟ هل هو بريء؟ ماذا عن شركة “ستو” البريطانية التي يديرها الصفدي في لبنان؟ ماذا عن دور سوليدير في “تمرير” ما كان من المفترض ألا يُمرر؟

 

تنقلبُ الشفاه رأساً على عقب كلما طُرحت كلّ هذه الأسئلة اللامتناهية عن حيثيات مشروع صُمم من أجل تجميل واجهة بيروت البحرية. مشرو ع “الزيتونة باي” مليء بأسرارٍ من أسرار “تأليف” المشاريع في لبنان و”تسخيرها” لأهدافٍ غالباً خاصة.

 

لازمة مشروع “الزيتونة باي” كانت دائماً “التزوير”! كثيرون صدقوا وكثيرون لا. وكثيرون رووا خلال الأسبوعين الماضيين “ويكيليكس الزيتونة باي”. مراسيم وإجراءات ومواد شكّلت يوم كان الوزير السابق محمد الصفدي وزيراً للأشغال والنقل. هو أقام مشروعه على عقارين اعتبرتهما حكومة سليم الحص بموجب المرسوم 3808 ملكاً عاماً وفيه: المساحات التي استحدثت بواسطة الردم هي جزء من الأملاك العمومية ولا يعود لشركة سوليدير أيّ حقوق فيها وتُعدّ غير قابلة لإقامة أيّ إنشاءات عليها. كان هذا العام 2000. مرّ الوقت. وألغيّ المرسوم بموجب شراكة بين سوليدير و”ستو”. تُممت الصفقة. ماذا عن مسؤولية الوزير السابق محمد الصفدي؟ معاليه انتخب نائباً العام 2000 وشغل بين 2005 و2008 وزارة الأشغال والنقل. ثم وزارة الإقتصاد والتجارة حتى العام 2011 وبين العامين 2011 و2014 أسندت إليه حقيبة المال. هو كان “مسؤولاً” في سدّة المرجعية القادرة على استصدار المراسيم والأحكام يوم صدرت مراسيم أطاحت بكلّ الموانع.

 

الوزير مسؤول؟ هو مسؤول وحده؟ هي منظومة متكاملة؟ ما دور البلدية؟ ما دور مجلسي الوزراء والنواب؟ حصل خطأ في تجاوز الحقوق والمراسيم؟ هو خطأ ارتكبه المستشارون؟

 

“الزيتونة باي”، رئة بيروت البحرية، ألف علامة استفهام حول هذا المشروع الذي جعل من ثاروا يرددون بلا هوادة: لا لمحمد الصفدي… نعم لفتحِ الزيتونة باي أمام الفقراء. يافطات تُحدد الموانع في الممشى البحري الطويل: لا للمشي على العشب الأخضر. الكلّ يمشون. لا للسباحة في المكان. هناك من يسبحون. ممنوع الغطس. هناك من يغطسون. ممنوع الصيد. كثيرون كثيرون هم الصيادون.

 

المخالفات كثيرة. هناك ناد لليخوت في الجوار، الدخول إليه ممنوع لغير الأعضاء المختارين. ثمة إعلاميون مختارون. المكان بالفعل متنفس. أحد كبار المشرفين على المشروع منذ بداياته يُخبّرنا: إستكمال هذا المشروع، كما استكمال كلّ مشروع سوليدير، إستتبع تغييرات كثيرة إبان التنفيذ. المخاض بدا منذ البداية متعثراً. وهذا المشروع بني، بغالبيته، على نفايات وردميات. وتكبدت الشركة أموالاً باهظة من أجل تنفيس الغازات من النفايات المردومة على مدى ثلاثة أعوام. من النفايات أنشأنا الزيتونة باي. وبنينا سدّ حماية لمواجهة مدّ البحر الذي يحصل كل مئة سنة تقريباً، وكلنا نعلم كم يصعب وقف هذا المدّ من جبل طارق الى بيروت.

 

الكلّ يدافعون عن أنفسهم لكن كلهم يتحملون مسؤولية بنسبةٍ ما “فحجب البحر ممنوع”. هذا في القانون لكن ما حصل أن هناك من صادر “الشاطئ العام” في “الزيتونة باي” وفي سواه من الشواطئ اللبنانية الممتدة على طول 200 كيلومتر من الساحل اللبناني.

 

هو ليس “الزيتونة باي”. إنه خليج مارجرجس. هذا ما أصدر به محافظ مدينة بيروت القاضي زياد شبيب قراراً قبل تسعة أشهر قضى بتسمية خليج زيتونة باي بخليج مارجرجس. والقرار طبعاً لم ينفذ.

 

ماذا بعد؟كثيرة هي التفاصيل التي تحوط بهذا المشروع. كثيرة هي الأرقام التي سُردت في الساعات الأخيرة عن مشروع يروق للبيارتة لكنه لم يرق لكثيرين سواهم ممن اعتبروه “هابطاً من المريخ” على بقعة لا يشبهها. ندور في التفاصيل. ندور مجدداً في بقعة باتت مقصداً لكثيرين فنراها مرهقة، تتنفس بصعوبة، شاحبة. فهل نتركها تموت؟ لا، فلتعد الحياة الى الخليج الجميل الممتد على شاطئ بيروت وليُشرّع باب المحاكمات. وليأخذ كلّ واحد نصيبه.