يحاول المتابع السياسي أن يجد فسحة أمل في البلد ليبني عليها تفاؤلاً يُمكّنه من أن يرسم طريقه، لكن هل هناك فسحة أمل؟
للإجابة عن هذا السؤال لا بدّ من استعراض الوضع، وبناء عليه يتم تحديد ما إذا كان الوضع يحتمل شيئًا من التفاؤل:
بالأرقام، منذ انتهاء الحرب وحتى اليوم، أي منذ ما يقارب الربع قرن، تم ضخ ما يقارب ال 350 مليار دولار في هذا البلد، منها نحو مئة مليار دولار دين عام. السؤال هنا: هل هذا المبلغ الهائل مبيّن في هذا البلد؟ حين يُصرَف هذا المبلغ يُفترَض أن تكون هناك بنى تحتية منجزة ومكتملة، فهل هذه الحقيقة صحيحة؟
هل الكهرباء متوافرة للبناني أربعًا وعشرين ساعة على أربع وعشرين؟
هل الطرقات مجهزة لتستوعب اختناقات السير؟
هل مطار بيروت الدولي بات قادرًا على الاستيعاب المضطرد في حركة المغادرين والواصلين؟
هل النفايات وجدت حلاً لها بين المطامر والمحارق؟
من خلال كل ما تقدّم، نجد وللأسف، ان ال350 مليار دولار غير مبينين كما يجب أن يكون:
فالكهرباء لكي تصل أربعًا وعشرين ساعة على أربع وعشرين، هي بحاجة الى معامل توليد وبواخر ومولدات الأحياء والمولدات الخاصة! فهل الذين وضعوا الخطط للكهرباء خططوا للوصول الى هذه الفضيحة؟ إنّ ما يجري على مستوى الكهرباء يستدعي فتح تحقيق حول كيف تم صرف ثلث المبالغ على الكهرباء من دون أن ينعم المواطن بالكهرباء وليبقى يعيش تحت رحمة وضع سيئ كأننا في مطلع القرن الماضي ولسنا في الربع الأول من القرن الواحد والعشرين.
هل بيّنت هذه المليارات على الاوتوسترادات وفي الطرقات؟ ان المسافة بين بيروت والشمال او بين بيروت والجنوب، في ساعات الذروة، تستغرق من الوقت ما تستغرقه الرحلة الجوية بين لبنان وابوظبي أو بين بيروت والكويت أو بين بيروت وروما! فهل هذا مسموح؟ وهل هذا مقبول؟
هل يُعقل أن يتخذ قرار بتفكيك جسر بسبب تصدعه، ثم يبدأ بناء جسر مكانه ولكن بعد عشرة أعوام؟ ألم تحصل هذه الفضيحة بالنسبة الى جسر جل الديب الذي لن ينتهي العمل به قبل مطلع السنة الجديدة، بعدما استغرقت دراساته تسعة أعوام، ولم يتخذ قرار بإعادة بنائه الاّ مطلع هذا العهد؟
أين تبخرت المليارات اذا كانت خطة معالجة النفايات لم تكتمل بعد؟ فالنفايات تتجاور مع المطار ومع المرفأ، هذا عدا المكبات العشوائية في مختلف المناطق اللبنانية.
التعويل الآن على مفاعيل مؤتمر سيدر لجهة المليارات الأحد عشر التي وُعِد بها لبنان والتي هي موزعة بين قروض ميسرة وهبات، ولكنها مشروطة بإصلاحات.
في الجو الذي نحن فيه هل بالإمكان القيام بإصلاحات؟ فإذا أخذنا قضية الموظفين في القطاع العام فمَن يجرؤ على المس بموظف لا يداوم ولا يعمل ويتقاضى راتبًا آخر الشهر؟ ثم لنراقب الكباش القائم بين وزارات الاقتصاد والطاقة والداخلية من جهة وأصحاب المولدات من جهة أخرى، فهل ستستطيع الدولة تطبيق قرار أن يركّب أصحاب المولدات العدادات للمواطنين؟
التحديات كثيرة وكبيرة، فهل سيبدأ التنفيذ أم ان مليارات الدين ستتراكم؟