IMLebanon

الاستقرار والسلام في المنطقة… ليسا قريبين؟

هل يعيد “الاتفاق النووي” بين المجموعة الدولية 5+1 والجمهورية الاسلامية الايرانية الاستقرار والسلام الى الشرق الأوسط؟ وهل ستجد القيادة الايرانية طريقة للتخلص من الانعزال أو العزل اللذين تعيشهما حالياً وتالياً للاندماج من جديد في المنطقة؟ سؤالان طرحهما على نفسه متابع مزمن وجدّي للعالمْين العربي والاسلامي ولتطور علاقة بلاده أميركا بكل منهما في ضوء الأزمات والأحداث والحروب التي حصلت فيهما. لكن الجواب عن الاثنين، الذي خرج به بعد تقويم عميق للأوضاع في المنطقة وللخط الذي انتهجته ايران منذ تحوُّلها جمهورية اسلامية ولردود فعل شعوب المنطقة عليه، لم يكن ايجابياً بل أثار في نفسه الحزن لأن الاستقرار والسلام سيبقيان غائبين عن المنطقة لمدة طويلة، ولأن عودة ايران الى الاندماج في المنطقة لن تكون سهلة بل لن تحصل اذا لم تكن مستعدة لتغيير سياساتها وأهدافها أو لتعديلها. علماً أن ذلك لا يمكن أن يتحقق بين ليلة وضحاها وبعد 36 سنة من العداء والحقد والحروب بالوكالة.

إلامَ استند المتابع الأميركي المزمن نفسه للخروج بالجواب – الاستنتاج المذكور أعلاه؟

إلى أسباب عدة أبرزها الآتي:

1 – صار العالم كله يعرف أن العالم الاسلامي يعيش صراعاً مفتوحاً بين “المذهبين” الأكبرين في الاسلام أو الفرعين أي السنّة والشيعة. ويقود هذا الصراع في الجانب السنّي المملكة العربية السعودية وتركيا أردوغان، ومن الجانب الشيعي ايران. ورغم أن الأسباب الظاهرة والمباشرة له لا تبدو كثيرة المذهبية فان هذه الأخيرة تبقى الأساس وراء تأججه وانتشاره. والتاريخ يدلّ منذ القدم على أن الحروب الدينية تدوم طويلاً (حرب الثلاثين سنة وحرب المئة عام بين المسيحيين).

2 – بدأ الصراع المشار اليه في لحظة تاريخية معينة “ملائمة”، وكشف أن تحت رماد معاركه القديمة لا يزال هناك جمر قابل للتسبُّب بحرائق. واللحظة كانت عندما حاول مؤسس الجمهورية الاسلامية في ايران المُعمّم آية الله الخميني أن ينشر أفكاره المتطرِّفة في أوساط أبناء دينه وكذلك مذهبه الشيعي في الخليج، وبدا أنها نضجت في صورة تامة عندما غزا عراق صدام حسين ايران بدعم الدول العربية في الخليج، المالي والسياسي والمعنوي، ولاحقاً عندما “غزت” أميركا العراق وأطاحت صدام.

3 – سيكون مستحيلاً على ايران عدم الاستمرار في التدخُّل في اليمن والعراق وسوريا وفي دعم الموالين لها من أبنائها بالسلاح والمال وكل ما هو متوافر عندها. واذا لم تفعل ذلك تكون تهدد الشيعة في هذه الدول (وهي دولة شيعية) ومعهم الحركات والأحزاب والتيارات التي تحارب أعداءها بواسطتهم.

4 – تمسُّك ايران بدمشق عاصمة السنّة والأمويين ورمز العصر الذهبي العربي، وببغداد عاصمة العباسيين السنّة ورمز العصر الذهبي للاسلام، يجعل عودتها الى الاندماج في المنطقة مستحيلة. وهي حتى الآن على الأقل لم تقبل مفاهيم الفيديرالية أو الكونفيديرالية علماً أنها لمّحت وعلى نحو غير مباشر إلى قبول الأولى في العراق. والصيغتان المذكورتان تمنحان العاصمتين وضعاً خاصاً (مثل واشنطن دي. سي. عاصمة أميركا) وتحولان دون وقوعهما تحت سيطرة اما السنّة واما الشيعة. وقد يكون ذلك سبيلها الى الخروج من الحفرة التي أوقعت نفسها فيها. علماً أن عليها، اضافة الى ذلك، أن تتخلى عن مخططاتها للهيمنة في المنطقة، ولا شيء يؤشر الى استعدادها لذلك.

5 – هل سيكون “الاتفاق النووي” كافياً للدفع نحو تحقيق انفراج أو تقارب بين طهران وواشنطن، على افتراض أن لا أحد منهما ومن الدول الأخرى الموقّعة عليه تخفي نيتها ممارسة شيء من الخداع والغش في المرحلة التنفيذية له؟ والجواب في رأي المتابع الأميركي المزمن نفسه هو: كلا. ذلك أن العالم يعرف أن ايران كانت وراء قتل العديد من الأميركيين في لبنان والسعودية وفي العراق أيام احتلال أميركا له وفي دول أخرى. وهذا أمر لن ينساه الأميركيون بسهولة وخصوصاً الذين عايشوا تلك المرحلة ولا يزالون يتعاطون الشأن العام. فضلاً عن أن شبكات ايران من “العملاء” في العالم لا تزال جاهزة للقيام بالأعمال الوسخة ضد أميركا.

في اختصار لذلك كله يرجِّح المتابع نفسه أن الاستقرار والسلام في المنطقة بل في العالم لن تحقّقا قريباً.

ملاحظة: عدم نسيان قتلى الحروب المباشرة وغير المباشرة لا يقف عائقاً أمام تصالح دول وقوى متعادية ومتقاتلة اذا قضت مصالحها بذلك.