IMLebanon

«إستقرار إجباري» لإبقاء لبنان «جنّة النازحين»!

إنها حكومة «المحدلة» التي يرى فيها كلّ طرف أنه رابح. فحلفاء إيران ورموز دمشق يمتلكون فيها «حصة الأسد» وقرار الأكثرية، و«14 آذار» رضيت بـ«الثلث المعطِّل»… طبعاً باستثناء حزب الكتائب الذي يقول: «لسنا نادمين على الخروج. ولو كنا نعرف أنّ هذه هي التركيبة المقرّرة، لما تعاطينا أساساً في الموضوع!».

القوى الداخلية غارقة في تقويمها للتوازنات داخل الحكومة الجديدة، لكنّ القوى الدولية المعنية بالشأن اللبناني مهتمَّة بمسائل أخرى. فبالنسبة إليها، هناك دور مطلوب من لبنان في المرحلة الحسّاسة من النزاع الدائر في الشرق الأوسط، وهذه الحكومة جزء أساسي من هذا الدور.

وتكشف الهجمة الديبلوماسية المكثفة على لبنان، منذ بداية العهد، مغزى الحرص الدولي على استقراره وتسيير عجلة مؤسساته. فبعد انتخاب رئيس للجمهورية، جرى الدفع لتسريع إعلان الحكومة وتذليل العراقيل. وستكون الانتخابات النيابية هي الهدف التالي. ولكن، في الموازاة، هناك مواكبة دولية حثيثة للاستقرار اللبناني أمنياً واقتصادياً ومالياً. فلبنان يترنّح، لكنّ سقوطه ممنوع!

منذ بداية العهد، يزور لبنان موفدون أبرزهم وزراء خارجية ألمانيا وكندا وتركيا، ومساعدة وزير الخارجية الأميركية آن باترسون، وأخيراً وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت. وهذا الحراك واكب الإيجابيات التي ظهرت في المسار السياسي، ولا سيما منها تأليف الحكومة.

فقد نقل هؤلاء الموفدون، ومعهم سفراء الدول الكبرى، إلى المسؤولين اللبنانيين، رغبة إداراتهم في إتمام العملية السياسية في لبنان ليعود إلى مساره الديموقراطي، ما يوفِر له الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي.

وفي هذا الإطار، وبعد تأليف الحكومة «بالتي هي حسن»، سينصبّ الاهتمام على إجراء الانتخابات النيابية «بالتي هي أحسن». وفي المقابل، تلقّى لبنان وعوداً دولية بدعم استقراره ليتمكن من الصمود في وجه الاستحقاقات التي يفرضها النزاع الإقليمي، وخصوصاً في ما يتعلق بملفين متلازمين هما: النازحون، والإرهاب بشقّيه الأمني والمالي، وهما يتمثّلان بالآتي:

1- النازحون: وفقاً لمصادر مواكبة لحراك الموفدين الدوليين في لبنان، هناك ضغط يمارَس على المسؤولين اللبنانيين لتحسين الأوضاع الاجتماعية لما يقارب المليون ونصف المليون نازح سوري إلى لبنان، ما يحول دون تدفّقهم إلى أوروبا وتعريض مجتمعاتها للمخاطر.

ويثير هذا الاتجاه مخاوف لبنانية من عملية تطبيع لإقامة النازحين السوريين في لبنان، تحت عناوين اجتماعية وإنسانية. وسبق للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أن طالب علناً بتطبيع في الإقامة ومنح الأوراق الثبوتية للنازحين السوريين في الدول التي لجأوا إليها، وانتظار عودة هؤلاء الطوعية إلى بلدهم.

وإذ يحرص الجانب اللبناني على رفض التطبيع، يخشى أن يؤدّي تعثّر الحلول في سوريا، من دون أيّ أفق زمني، إلى تكريس الأمر الواقع. ولذلك، يصرّ لبنان على أن يكون الحلّ السياسي في سوريا أولوية للقوى الدولية الرامية إلى معالجة ملف النازحين.

لكنّ المسؤولين اللبنانيين لا يُخفون خشيتهم من اتجاه ملف النازحين في لبنان نحو الأسوأ، على غرار ملف النازحين الفلسطينيين، إذا طال انتظار التسوية السياسية وإعادة البناء والعودة في سوريا.

2- الإرهاب: يطرح الموفدون الدوليون هذا الملف ربطاً بالنازحين. ويريد هؤلاء من لبنان تحصين بيئات النازحين اجتماعياً بحيث لا يقوم الإرهاب باستغلال هذه البيئات وأزمات النازحين الاجتماعية لتحويلهم قنابل متفجّرة تهزّ المجتمعات الأوروبية.

في الموازاة، يتلقّى لبنان دعماً عسكرياً واستخبارياً قوياً من الولايات المتحدة والقوى الأوروبية الغربية، لمنع سقوط أيّ منطقة لبنانية في قبضة الخلايا الإرهابية أو خرق الإرهابيين حدود لبنان عبر سوريا لبناء منطقة نفوذ لهم.

3- تجفيف منابع تمويل «حزب الله»: لقد استجاب لبنان للضغوط الأميركية في ما يتعلّق بهذا الملف، خصوصاً بعد القانون الأميركي الخاص بالعقوبات، علماً أنّ المؤسسات الدولية فرضت على لبنان، في العامين الأخيرين، سلسلة من التشريعات المتعلقة بالشفافية والتزوير والتهريب، شرطاً للإبقاء على علاقة طبيعية مع النظام المصرفي اللبناني.

وفي اختصار، يُراد للبنان استقراراً يجعل منه «جنّة النازحين» ويمنعه من أن يصبح «جنّة للإرهابيين». وهذان هما المرتكزان اللذان تقوم عليهما سياسة الدعم الدولية للاستقرار اللبناني. وبناءً عليهما، يجري دفع القوى اللبنانية إلى إعادة بناء المؤسسات بعد غياب طويل.

وفي المعلومات أنّ الجانب اللبناني وُضِع أمام مسؤولياته في الرضوخ لهذه المطالب والشروط، تحت طائلة حرمانه من الدعم الذي يطالب المجتمع الدولي به سواءٌ لجهة المساعدات والقروض للمشاريع التنموية أو في ملف النازحين، أو حرمانه من التغطية السياسية الدولية.

فلا يمكن لبنان أن يقاوم المطالب الدولية، وهو في أشدّ الحاجة إلى الدعم السياسي والأمني والاقتصادي والمالي. ولكنه سيكون أمام استحقاق مصيري: كيف يُرضي المجتمع الدولي بالتجاوب مع مطالبه من دون أن يَسقط ضحيةً لهذه المطالب، خصوصاً في ملف النازحين؟

لقد استفاد الأتراك إلى الحدّ الأقصى من ملف النازحين، فساوموا أوروبا وحصَّلوا المساعدات. فهل يقدِّم لبنان خدماته للمجتمع الدولي مجاناً، أو يكتفي بـ«سعر الكلفة» أو يدفع الثمن مضاعفاً؟ الأمر مرهون بتماسك اللبنانيين و«ذكائهم».