Site icon IMLebanon

الإستقرار يبقى القاعدة

التفجير الذي وقعَ في برج البراجنة يختلف سياسياً وأمنياًَ عمّا سَبقه من تفجيرات إرهابية قبل تشكيل حكومة الرئيس تمّام سلام.

الشبكات الإرهابية التي كان يُلقى القبض عليها بشكل متواصل كانت تؤشّر إلى نيات الإرهابيين ومحاولاتهم إحداثَ خرقٍ أمنيّ بالدخول إلى معاقل «حزب الله». وقد نجحَت الأجهزة الأمنية في إلقاء القبض على عشرات الشبكات، كما نجَح الجيش اللبناني، وهذا الأهمّ، في إقفال الحدود بشكل محكم بين لبنان وسوريا، الأمر الذي حالَ دون إدخال السيارات المفخّخة إلى لبنان، وهذا ما يفسّر النجاح في ضبط الوضع الأمني إلى حدّ كبير.

وما حصَل بالأمس يندرج في سياق الخرق الأمني المحدود، على رغم أنّه منظّم، حيث إنّ أربعة إرهابيين نفّذوا العملية، ونتائجُه كانت كارثية في ظلّ المجزرة التي نتجَت عنه، إلّا أنّ المقصود أنّ تفجيراً من هذا النوع ممكن أن يحصل في أيّ عاصمة في العالم، سيّما أنّ هذه الجهات تخطّط عن سابق تصوّر وتصميم لاختراق بيئة «حزب الله» واستهدافها.

فقد تكون هناك حالة استرخاء أمنيّ ناتجة عن ثلاثة عوامل: إنتفاء التفجيرات منذ مدّة طويلة، القبض المتواصل على الشبكات الإرهابية، تصفية أو تطويق الجيوب في القلمون وغيرها. ولكنّ هذا لا يمنع أنّ الخرق يبقى وارداً في ظلّ الاسترخاء أو عدمِه، خصوصاً متى كان استهداف بيئة الحزب يشكّل هدفاً ثابتاً لدى المجموعات الإرهابية.

إلّا أنّ الفارق الكبير بين تفجير برج البراجنة والتفجيرات التي شهدَها لبنان قبل تشكيل حكومة سلام يتمثّل بعاملين أساسيّين:

التفاهم السياسي الداخلي الذي كان قد تُرجِم بعودة المساكنة مع «حزب الله» في الحكومة، وبالحوار بين الحزب و«المستقبل» على قاعدة الفصل بين قتاله في سوريا والاستقرار في لبنان، أنتجَ استقراراً داخلياً فعلياً. وإذا كان قد نجَح «المستقبل» بأن يلعب دور رأسِ الحربة في مواجهة القوى المتطرّفة، فإنّ الحزب نجح بدوره في إرساء تفاهم مع الطرف السنّي القادر على التصَدّي لحالات التطرّف داخل بيئته.

الأجهزة الأمنية استفادت من التوافق السياسي ووجود استراتيجية واحدة لمكافحة الإرهاب، فأعطت كلّ طاقتها، ونجحَت في تحقيق نتائج باهرة جعلت الأمن في لبنان مثالياً مقارنةً مع دول أوربّية لا شرق أوسطية فقط.

وفي ظلّ استمرار التفاهم السياسي وعمل الأجهزة الأمنية يُستبعد أن يعود لبنان بيئةً حاضنة للإرهاب، هذه البيئة التي تلقّت ضربات بنيوية في السنتَين الأخيرتين يستحيل عليها أن تلتقط أنفاسَها، وبالتالي العمل الإرهابي الأخير يشكّل، على رغم حِرفيته وخطورته، استثناءً لا قاعدة، خصوصاً أنّ كلّ القوى السياسية أجرَت فصلاً تامّاً بين صراعاتها السياسية، وبين الاستقرار الأمني الذي يشكّل خطاً أحمر.

وقد أسقطَت السنتان المنصرمتان النظرية القائلة باستحالة وضعِ حدّ للتفجير في لبنان ما لم يخرج «حزب الله» من سوريا، وأنّ التدابير التقنية والظرفية لوضع الحدّ للعنف لن تجديَ نفعاً، حيث نجحت هذه التدابير بالذات بالقضاء على الإرهاب بمعزلٍ عن قتال الحزب في سوريا، وهذه الحقيقة تشكّل واقعةً لا يمكن تجاهلها، وما حصَل في البرج هو خرقٌ محدود ومعزول.

وهذا التفجير مفصول تماماً عن الواقع السياسي في لبنان، ويُستبعد أن يدفع البيئة السياسية إلى تسريع الحلول السياسية، أو يدفع «حزب الله» إلى ترجمة مبادرة أمينِه العام بالسلّة المتكاملة، لأنّ الحزب متيَقّن تماماً من أنّ شراكته مع «المستقبل» كفيلة بالحفاظ على الاستقرار الأمني.

ومن العوامل التي تُطمئن الحزبَ أيضاً أنّ الاستقرار الأمني الذي ينعَم به لبنان هو نتيجة قرار دولي-إقليمي، وأنّ أيّ عمل إرهابي، على غرار ما حصَل في البرج، لا حاضنةَ إقليمية له، ولا محلّية بطبيعة الحال، بل على العكس، هناك إدانة إقليمية، كما أنّ الحزب يَعلم جيّداً أن لا تغيير إقليمياً لقواعد اللعبة معه، في حين أنّ مواجهته تتمّ في سوريا لا في لبنان.