IMLebanon

الدولة المهلهلة

 

يا لها من صورة عاكسة لواقع الإهتراء والتخلّف. مئات المستندات العائدة لشركات تجارية في لبنان مكدّسة في إحدى غرف قصر العدل في بيروت كبالة ثياب في آخر عمرها. الصورة متداولة على وسائل التواصل الإجتماعي. غرفة/ قبو/ مستودع تشكل بيئة صالحة للقوارض والصراصير والعفونة. وحال محفوظات قصر العدل في بعبدا ليست بأفضل حال.

 

في أحد أفرع مصلحة تسجيل السيارات (جونيه)، ما يماثل ملفات العدلية. رأيتها مكدسة كتلّة قمامة وأنا محشور في غابة صراخ وروائح كريهة منبعثة من إخوتي البشر المكدّسين أمام “غيشيه”. ملفات سيارات مشقوعة على الأرض خلف موظّف يدخّن. يسعل. يتأفف. كانت هذه حاله في خلال ثلاثة أيام عمل بين عطلتين مديدتين.

 

ملفات الدوائر العقارية شي ممكنن شي مكنكن في مستودعات الرطوبة. وموظفو تلك الدوائر إفرنقعوا. منهم من هو “داير” على حلّ شعره في منتجعات الجارتين قبرص واليونان، ومنهم من نذر العفة واحتبس.

 

سجلات المخاتير، دفاتر كبيرة من إيام بندق أبو فتيلة، وتلزيق صور ومعاملات بخط اليد. مختار وكمبيوتر خطّان متوازيان.

 

مشاريع المكننة موجودة. النوايا موجودة. الإرادة موجودة. والعزيمة أيضاً ولكنهم ما “عم يخلّوا حدا يشتغل”. من هم؟ الأنجاس المناكيد، من يريدون تيئيسنا، ونحن من نحن؟ نحن الأمل الذي لا يشيخ.

 

قبل أكثر من عشرة أعوام، طلع علينا الوزير بدر الدجى، ليبشرنا بنهضة طاقوية، وفي خطوة رمزية تهدف إلى ترشيد الطاقة وزّع على البيوت لمبات توفير هذا أقل ما سمعناه. جاء بعد بدر الدجى خمسة وزراء من تلامذته ولا نزال ننتظر تلك اللمبات. لا شك يخامرنا بتوافرها، لا يأس يتسلل إلينا من استلامها بطرد بريدي.

 

على سيرة البريد، الممكنن قدر الإمكان، فقد نشر الكاتب والباحث جواد عدرا على حسابه المفتوح على تويتر أن مجلس الوزراء وافق، بمرسوم، في جلسته المنعقدة في 9 آب 2000 “على قبول الهبة المقدمة من شركة كندا بوست وهي علب بريدية فردية تقوم الشركة بتوزيعها وتركيبها لجميع المواطنين في الأبنية التي تزيد عن ثلاثة طوابق تسهيلاً لأعمال توزيع البريد، وتُقدر قيمة هذه الهبة بحوالى عشرة ملايين دولار”. وقع المرسوم في 25 أيلول الـ 2000 العماد (البحّار) إميل لحّود. 23 سنة مرت على تلك الهبة. كان عمر جاستن ترودو يومذاك 29 سنة إلّا ثلاثة أشهر. لا علبة بريدية رُكّبت على مدخل بناية ولا وصَل التران إلى محطة وردة.

 

في العام 2043، سيتناقل أولادنا هذه الطرفة: في شهر أيار من العام 2023 شاهد اللبنانيون باصات مقدمة من الشقيقة فرنسا تنزل على مرفأ بيروت، أرسلت أوراقها إلى النافعة ولم تعد منذ تاريخه…فالرجاء ممن يعرف عنها شيئاً مراسلة رئيس مجلس النواب علي حميه بالبريد المضمون.