Site icon IMLebanon

السباق غير العادل بين المؤسسات الضامنة والإنهيار

 

“تعاونية الموظفين” ترفع التغطية الإستشفائية ٧٠ % وتُحافظ على تغطية الأدوية

 

 

عرّى انهيار سعر الصرف المضمونين في القطاعين العام والخاص مما كانوا “يلبسونه” باعتزاز وتفاخر من أمنٍ صحي. فمع كل ارتفاع في سعر الدولار ترتفع نسبة ما يتحمله المرضى من فروقات استشفاء؛ حتى أصبحت مساهمة الجهات الضامنة الرسمية تشكل النسبة الأقل من التعرفة الإستشفائية، بعدما كانت تصل إلى 85 و90 في المئة.

 

من غير المعروف على وجه التحديد كم أصبح الدولار الإستشفائي. عندما كان سعر الصرف يساوي 10 الآف ليرة، كانت المستشفيات تحتسب الدولار الطبي على 4000 ليرة. وقد وضعت نقابة المستشفيات آنذاك معادلة تفيد بان “كل زيادة في سعر صرف الدولار في السوق الموازية بقيمة 1000 ليرة، تزيد كلفة دولار الإستشفاء بقيمة 500 ليرة”. استناداً إلى هذه المعادلة، فان الدولار في المستشفيات يبلغ اليوم 8500 ليرة. وللتبسيط فان كلفة عمل طبي بقيمة مليون ليرة (أي 666 دولاراً سابقاً) تتراوح اليوم بين 4 و5.5 ملايين ليرة. في المقابل فان الجهات الضامنة الرسمية تغطي إلى حد 90 في المئة على سعر الصرف الرسمي. ما يعني أنها تسدد 900 ألف ليرة فقط من الفاتورة، وعلى المريض أن يتحمل الفرق.

 

رفع التعرفة الطبية

 

هذا الواقع الذي لم يعد يُحتمل لما فيه من ظلم بحق الموظفين وعائلاتهم، دفع بتعاونية موظفي الدولة إلى زيادة التعرفة الطبية في المستشفيات الخاصة بنسبة 70 في المئة إبتداءً من اليوم. القرار الذي من المتوقع أن تتراوح كلفته على “التعاونية” لغاية نهاية العام بين 25 و30 مليار ليرة، ليس هو المشكلة، و”لن يموّل من رفع نسبة اشتراكات المنتسبين. ذلك أن الهدف من ورائه تخفيف العبء المترتب على المستفيدين من تقديمات التعاونية، وليس إرهاقهم وتحميلهم المزيد من الأعباء”، يقول مدير عام تعاونية موظفي الدولة د. يحيى خميس. “إنما العقبة الأساسية تتمثل بمدى إلتزام المستشفيات بهذا السقف، والتوقف عن استيفاء مبالغ إضافية من المضمونين”. خميس الذي لا ينفي الصعوبات التي تواجه المستشفيات، وارتفاع كلفة الخدمات الطبية، اعتبر أن “الفروقات التي تتقاضاها المستشفيات تزيد بشكل عام عن المعقول، وهي ترتفع إلى حد غير مبرر في بعض المستشفيات. وأن هذه الزيادة المقرة حديثاً بنسبة 70 في المئة هي أقصى ما تستطيع “التعاونية” تقديمه لتخفيف المعاناة على المضمونين من جهة، وشعوراً منها بواقع القطاع الصحي من جهة ثانية”.

 

 

 

مع العلم أن ضمان عدم خرق المستشفيات للعقد الموقع، حتى مع رفع التعرفة الطبية، وعدم تحميل المرضى الفروقات أمر مشكوك فيه. خصوصاً أن “الجهات الضامنة لا تمتلك آليات الضبط الفعالة”، بحسب خميس. فـ”لا يوجد بأيدينا كجهات ضامنة إلا العقد الموقع. في الماضي كنا نهددهم بفسخه في حال الإخلال باي شرط من شروطه، فكانوا يرضخون. أما اليوم فاصبح فسخ العقد هو مطلب المستشفيات للتحرر من الجهات الضامنة وفرض تعرفات حرة ليس بمقدور الموظفين وغير الموظفين تحملها. من هنا كانت مناشدتنا للمستشفيات الترأف بالمضمونين على قاعدة التكامل والتضامن الإجتماعي والمساهمة بتحمل الأعباء، لبينما إيجاد الحلول الملائمة لهذه الأزمة”.

 

تحديات زيادة التقديمات

 

على غرار مختلف الجهات الضامنة الرسمية تشكل مساهمة الدولة في تعاونية موظفي الدولة نسبة 6/7 من موازنتها، وتبلغ حوالى 317 مليار ليرة، في حين تشكل اشتراكات المنتسبين 1/7 من الموازنة. وعليه فان رفع موازنة التعاونية إلى حدود سقف التغطية الإستشفائية سيصطدم بعائقين: الأول، عدم القدرة على زيادة الإشتراكات على نحو 81 ألف مضمون يتسفيد من خلفهم 365 ألف شخص من التقديمات، قبل أي تغيير جدي في الرواتب والأجور. والثاني، عجز الدولة عن زيادة اشتراكاتها في ظل تراجع إيراداتها بأكثر من 8 في المئة واستمرار العجز الكبير في الموازنة. وفي حال تأمين هذه الزيادة من خلال طبع النقود، فستؤدي إلى المزيد من التضخم والإرتفاع في الأسعار، سيمتصان أي زيادة محققة. وبحسب خميس فان “الجهود تنصب حالياً على التفاوض مع وزارة المالية لزيادة مساهمة الدولة. وعلى الرغم من عدم انتظار زيادة كبيرة قادرة على إحداث فرق، فان أي مبالغ إضافية سنستحصل عليها سنعكسها حتماً في التقديمات” يقول خميس. وبرأيه فان “الإرتفاع والتلاعب في سعر الصرف مضافاً على الوضع المالي والإقتصادي المهترئ يصعب وضع الخطط وتحديد الاسعار ووزيادة الموازنات. فالرؤية إلى المستقبل غير واضحة وهي مرهونة باستقرار سعر الصرف”.

 

المشاكل الإدارية

 

أما على المدى القريب فان “التعاونية” تعاني كسائر مؤسسات الدولة من أزمات تشغيلية عديدة. يأتي في مقدمها: انقطاع الكهرباء وفقدان القدرة على تأمين مادة المازوت، ونقص عديد الموظفين واعتماد مبدأ المداورة في الدوام بنسبة 50 في المئة بسبب كورونا، ومغادرة أطباء، ووجود إجازات من دون راتب… وغيرها الكثير من الأمور التي تؤثر على فعالية المؤسسة. وبحسب خميس فان “عدم توفر المازوت لتغطية ساعات انقطاع الكهرباء الطويلة يؤثر على عمل التعاونية الممكننة بشكل شبه كامل ويهددها بالتوقف. ورغم جهود الموظفين الحثيثة على استمرار المرفق وتقديم الخدمة لزملائهم في القطاع العام، واعطاء شركة IPT للمحروقات تسهيلات لتأمين المازوت، إلا أن الصعوبات تبقى كبيرة بسبب النقص في المادة بشكل عام وارتفاع الطلب عليها، ما يضطرنا في احيان كثيرة إلى تأمينها بالشحاذة وبعد فترة طويلة من الإنقطاع”. ورغم كل هذه الظروف التعجيزية فان التعاونية مستمرة في تقديم الخدمات على أكمل وجه، ولو أن بعض المعاملات تتأخر لأيام معدودة عما كانت عليه في السابق.

 

تحدي تغطية الأدوية

 

“على المقلب الآخر تظهر صعوبة جديدة أمام التعاونية تتمثل في رفع الدعم عن جزء كبير من الأدوية. فالمؤسسة التي تغطي 75 في المئة من فاتورة الدواء لن تستطيع رفع هذه النسبة، بل أن هناك أصواتاً تطالب بتخفيضها” يقول خميس ومع هذا ما زلنا لغاية اللحظة محافظين على نسبة تغطية فواتير الدواء، ولكن نحضر لدراسة مفصلة لكلفة الأدوية والإعلان عن الأصناف التي يمكن الاستمرار بتغطيتها. خصوصاً تلك التي يتوفر بديل عنها أرخص ثمناً.

 

مأزق المؤسسات الضامنة الرسمية سيستمر طويلاً، ويتعقّد أكثر مع تفلت الدولار ورفع الدعم، وتحديداً عن الأدوية. ومئات الآلاف من المؤمنين صحياً سيصحون في يوم قريب على فقدان التغطية لقيمتها مهما حاولت المؤسسات الضامنة رفعها. والطبابة ستحصر بالأقلية التي تملك الدولارات الطازجة.