هل يعيّد اللبنانيّون عيد انتخاب رئيس للجمهورية بحلول العيد الكبير عند المسيحيين بعد أن تكون الأيدي قد تشابكت لتدحرج الحجر عن باب القصر في بعبدا، ليبدأ مع انتخابه الصفح والغفران ترجمة لعيد الفصح، وتبدأ قيامة لبنان مع قيامة المسيح؟
والسؤال المطروح هو: من يكون الرئيس الذي يصلح لاعتماد سياسة الصفح والغفران وجمع اللبنانيين على اختلاف اتجاهاتهم ومشاربهم ومذاهبهم حول لبنان الواحد أرضاً وشعباً ومؤسسات؟ هل يكون النائب سليمان فرنجية حتى لو بعد الاشتباك الكلامي في طاولة الحوار بينه وبين رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير جبران باسيل، وما قد يترك ذلك من آثار سلبية على العلاقات بينهما بحيث يخشى أن تصبح الطريق بين الرابية وبنشعي مقطوعة فتقطع معها الطريق إلى قصر بعبدا؟
الجواب عن هذا السؤال هو عند العماد ميشال عون وفرنجية، أو عند الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله الذي يستطيع إذا شاء ان يقرّب بينهما ويجعل أحدهما ينسحب للآخر ليتم الانتخاب بالتزكية أو بشبه إجماع، لأن دقة المرحلة تتطلّب مزيداً من الاتفاق والتوافق توصّلاً إلى المصالحة الوطنية الحقيقيّة الشاملة، وليس مزيداً من الافتراق والتباعد كي لا يشكل انتخاب الرئيس كسراً لأحد. فانتخاب الرئيس في ظل الظروف الراهنة ليس بعدد الأصوات فقط، إنّما بحجم القوى السياسيّة التي تؤيّد انتخابه، إذ لا يعقل انتخاب فرنجية أو عون للرئاسة وثمّة قوى سياسية فاعلة تعارض انتخاب أي منهما، فيعود الانقسام بين اللبنانيّين كما هو حالياً بين 8 و14 آذار بل أشد، ما يضع العراقيل في طريق الرئيس وهو في مستهل عهده، فيواجه أول ما يواجه أزمة تشكيل أول حكومة، وعرقلة إقرار المشاريع الحيوية التي تنهض بالبلاد، ويتعذّر عليه تالياً تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة التي لا بد منها للنهوض بلبنان.
لذلك فإن أيّاً من المرشحَين فرنجية وعون إذا لم يكن مرشّح وفاق وتوافق ويتم انتخابه بالتزكية أو بشبه إجماع، فإن عدد الأصوات وإنْ كانت كافية لاعلان فوزه تبقى غير كافية لاعلان فوز لبنان بوحدته أرضاً وشعباً ومؤسّسات، وعندها يصبح مطلوباً البحث عن مرشّح ثالث قد يكون من الصعب على القادة في لبنان الاتفاق عليه من دون تدخّل خارج يمون على الجميع.
وفي المعلومات أن الخارج العربي والاقليمي والدولي بات مقتنعاً بأن خلاص لبنان يبدأ بانتخاب رئيس تسوية أو توافق كي يستطيع تحقيق الوفاق الوطني الحقيقي الشامل ليعود لبنان الى ما كان عليه قادراً على لعب دور الموفّق بين العرب، خصوصاً في وقت يشتد فيه الصراع المذهبي، وتحديداً بين السنّة والشيعة في المنطقة، ولا شيء يحمي ما تبقى من المسيحيّين فيها سوى وقف هذا الصراع وتحقيق عيش مشترك أو تعايش بين كل المذاهب والاتنيات والقوميات حماية لوجود الأقليات، وقد يكون رئيس جمهورية لبنان القادرة والذي يتحلّى بالمؤهّلات والمواصفات والخبرة والحنكة يستطيع أن يلعب هذا الدور الذي به يحمي لبنان والمسيحيّين في المنطقة لأنهم أول من يهاجرون عندما تقع الفتنة بين المسلمين، فالمطلوب إذاً رئيس جمهورية يستطيع أن يوفّق ليس بين اللبنانيّين فحسب بل بين العرب عندما يختلفون، أو بين المسلمين، وما من رئيس يستطيع ذلك إذا لم يكن رئيساً مقبولاً ليكون قادراً على التوفيق بين الجميع في لبنان وفي المنطقة ويحقّق المصالحة بين اللبنانيّين.
لقد بات واضحاً أن المرشّح فرنجية يتفوّق بعدد الأصوات على المرشّح عون، لكن الأصوات وحدها لا تكفي لتأتي برئيس يستطيع أن يجمع ولا يفرّق. فدقّة المرحلة وخطورتها في لبنان والمنطقة تتطلّب رئيساً قادراً على التوفيق بين العرب عندما يختلفون وعلى مصالحة اللبنانيّين في ما بينهم عندما يتناحرون، رئيساً يرسم للبنان سياسة خارجية تجعل لبنان صديقاً للجميع والجميع أصدقاء له، ودولة فيه لا تنحاز إلاّ للحق سواء كان معها أو عليها. فهل يكون فصل الربيع وهو على الأبواب بداية ربيع لبنان بانتخاب مثل هذا الرئيس فيقوم مع قيامة المسيح، أم أن فصول الخلافات في لبنان وعلى لبنان قد لا تنتهي؟