IMLebanon

مرحلة الحسابات الكبرى.. بدأت

 

يتحرّك الرئيس باراك أوباما على قاعدة أنّ المفاوضات مع طهران ستنتهي بتوقيع اطار للاتفاق في الملف النووي في 20 آذار المقبل، في حين أنّ الاتفاق النهائي سيكون في حزيران المقبل. بهذا تحصل إيران على «هديّتين» في مناسبتين مهمّتين هما «عيد النوروز»، والأخرى بمناسبة مرور عامين على انتخاب حسن روحاني رئيساً للجمهورية، ما سيمنحه دعماً كبيراً لمواجهة المحافظين المتشدّدين والتحضير للتغيير الواسع مع إجراء الانتخابات التشريعية ومجلس الخُبراء في ربيع العام 2016. كل ذلك يؤشّر إلى استراتيجية أميركية انقلابية. إذا كان يمكن لواشنطن التعامل مع إسرائيل على أنّها «كلب كانيش» مدلّل يحصل على أكثر ما يريده، فإنّه لا يمكنه أن «يعضّ» أو يؤذي، فماذا وكيف سيتعامل مع تركيا ومع العرب حتى ولو كانوا في مرحلة صعبة جداً وخطيرة على حضورهم السياسي الاقليمي والدولي؟

في الفترة الفاصلة بين «الهديّتين»، لا بدّ لإيران أن تقدّم عدداً من «الهدايا» للرئيس باراك أوباما حتى يستطيع مواجهة الكونغرس المعارِض له ولمختلف خططه مع إيران. لذلك كله فإنّ مرحلة الحسابات الكبيرة بدأت بالعدّ التنازلي. لا يمكن أن تأخذ إيران ما تريد دون أن تدفع ما يتوجَّب عليها. حالياً واشنطن «الأوبامية« تريد ضرب «القاعدة» بكل مسمياتها من «داعش» إلى آخر السلسلة. لذلك تبدو مستعدّة للتحالف مع «الشيطان» لإنجاح هذه السياسة. السؤال إلى أي حدّ سيذهب أوباما في تحالفه المقبل مع طهران لتنفيذ هذه السياسة الانقلابية، في الوقت الذي مهما بدا قوياً فإنّه ثغرة قاتلة ستتوسّع إن تجاهل حلفاءه التاريخيين.

إيران تملك انتشاراً قوياً وعميقاً في كل من سوريا ولبنان واليمن وفلسطين والعراق. مشروع المرشد آية الله علي خامنئي في امتلاك القوّة النووية ولو بالوقوف على حافّتها والتحوّل إلى قوة اقليمية كبرى، يكاد ينجح. النجاح الأكيد له الآن في تحويل هذا المشروع إلى مشروع قومي إيراني يحظى بالتوافق. يوجد إجماع إيراني حالياً على ضرورة تحصيل «عائدات» هذا الانتشار، في تقوية الحضور الإيراني كقوّة إقليمية كبرى. الاختلاف في هذا الإجماع هو حول الوسائل في تثبيت هذا المشروع. الاتفاق مع واشنطن سيسهِّل مهمّة القوى التي تريد الانطلاق والعمل مع محيط إيران بوسائل أخرى غير الانتشار العسكري والضخ المالي الضخم.

كل هذا يدفع للتفكير بالعمل لوضع استراتيجية لمواجهة المشروع الإيراني سواء بمشاركة واشنطن أو مع إيران مباشرة. قاعدة التفاوض أنّ إيران لا يمكنها أن تحصل على كل سوريا والأسد معاً، وإنّما أن تكون «شريكة« بدون الأسد. أمّا في لبنان فإنّه يمكنها المحافظة على «حزب الله»، على قاعدة أنّه «شريك« وليس قوّة لاغية للآخرين. مشكلة الحزب أنّه جعل من نفسه «منفذاً» إلى درجة أنّه دفع لانخراط الجيش اللبناني في الحرب ضدّ «داعش» رغم كل المخاطر عليه وعلى لبنان. لولا انخراطه هذا لكان الحزب لا يعرف على أي جبهة يقاتل. الدليل أنّ وجود الجيش اللبناني في رأس بعلبك وقتاله البطولي فيها، أنقذ الحزب مباشرة وحمى ظهره في القلمون. بهذا أصبح «حزب الله» مديناً للجيش وليس العكس.

العراق مثل لبنان، أكثر من ذلك أنّ الأميركيين موجودون حالياً على الأرض ولا يمكن التخطيط ولا تنفيذ أي قرار يتناول مستقبل العراق من دون موافقة واشنطن.

أمّا اليمن فقصّة أخرى، تريد واشنطن انخراط الحوثيين وضمناً إيران التي صنعتهم وموَّلتهم في الحرب ضدّ «القاعدة». لكن حتى هذه الحرب لا يمكن ضمان نجاحها مع استمرار شعور دول الخليج وخصوصاً السعودية أنّ فناءها الخلفي يشكّل تهديداً دائماً قابلاً للتطوير. على إيران تقديم تنازلات واضحة ومُلزمة للنجاح في اليمن. مرحلة الانتشار كانت مهمّة، مرحلة التثبيت مع الأخذ بالاعتبار الخطوط الناتجة عن عملية الحسابات الكبيرة صعبة جداً لأنّها تفرض تقديم تنازلات كبرى.

يبقى السؤال الكبير إلى أي مدى سيذهب أوباما في صياغة هذه الاستراتيجية الجديدة وخصوصاً في تنفيذها، علماً أنّها تشكّل نقيضاً شبه كامل لاستراتيجية أميركية مضت على تنفيذها في المنطقة عقود عديدة؟ هل سيجد استراتيجية وفاقية تثبت للقوى الموجودة على خريطة الشرق الأوسط مواقع استحقتها في لحظات القوّة والضعف معاً. بهذا يضمن لنفسه الانتصار في الحرب ضدّ الإرهاب، سواء كان «القاعدة» أو «داعش»؟ أيضاً وهو مهم جداً ماذا ستقدّم إيران لإنجاح «رقصة التانغو» مع الشريك الجديد التي تتطلب تفاهماً عميقاً ودقيقاً وحساساً لكل خطوة؟

في كل هذه الحسابات، موقع المملكة العربية السعودية مهم جداً. السعودية اليوم هي المركز في العالم العربي. وما تقرّره يؤثّر على كل الحسابات وإدارة نتائجها.