Site icon IMLebanon

مرحلة «إدارة الفراغ» بأقلّ الخسائر…

هل ينجح اللبنانيّون في إمرار «مرحلة إدارة الفراغ» بأقلّ الخسائر الممكنة؟ ام انّ استنساخ الازمات سيبقى في النطاق المحلي من خلال التفنّن باصطناع أزمات تشغلهم وتملأ الوقت الضائع في انتظار الحلول الكبرى الموعودة؟

هذه الأسئلة يطرحها سياسيون مطّلعون على خفايا ما يجري داخلياً وفي المنطقة على وَقع النقاش الدائر في الكونغرس الاميركي حول مصير الاتفاق النووي بين ايران والدول الغربية. ويصِف هؤلاء المرحلة اللبنانية بأنها «مرحلة إدارة الفراغ»، ويتوقعون لها أن تستمر في حد أدنى حتى نهاية السنة، لأن ليس هناك مواعيد ثابتة لتبلور الحلول، لا لدى الاطراف المحلية ولا حتى لدى «أهل الحلّ والربط» أنفسهم، خصوصاً بعد فشل تجربة التواصل الوحيدة التي جرت بين المملكة العربية السعودية وسوريا وعودة الوضع الى المربّع الاول في ساحة النزاع، وعاد الميدان ليشكّل «الحَكَم والسيّد».

وينطلق هؤلاء السياسيون من هذه المعطيات ليتساءلوا عمّا سيكون عليه تفاعل لبنان مع المرحلة الجديدة المقبلة وهل يبقى في مرحلة التلهّي والالهاء بعناوينه الصغيرة التي يعدّ فنّاناً في اصطناعها واستيلادها، ومنها النفايات وازمة الكهرباء وغيرها، ذلك انّ اللبنانيين بارعون في التفنّن بتعبئة مراحل من هذا النوع، الى درجة انّ هذه المرحلة بعناوينها الصغيرة هي من الاسباب التي تجعل شخصية قائدة كرئيس مجلس النواب نبيه بري تعبّر عن مرارتها بالصمت من حين الى آخر. ولكنّ المهم هو ان يبقى الاستقرار في الحدود المرسومة له اقليمياً ودولياً، على رغم انّ بعض الجهات الاقليمية ليست منخرطة بها في حمايته الى جانب الآخرين.

ومن المنتظر ان تغطي قضية توقيف الشيخ أحمد الاسير جانباً من المرحلة، إذ على رغم وجود معلومات تؤكد انّ عملية توقيف الاسير هي مَحض لبنانية، فإنّ معلومات اخرى تفيد انها «قضية ما فوق لبنانية»، فتوقيفه كان إنجازاً للأمن العام اللبناني بالشراكة مع لعبة الأمم، لكنّ هذا الانجاز الذي برع فيه الامن العام عبر الشخصية المحورية التي يمثّلها مديره اللواء عباس ابراهيم في ادارة منظومة التنسيق بين الامن العام واجهزة أمنية دولية واقليمية مرموقة، هناك خوف عليه من ان يضيع في متاهات اللبننة الضيّقة وزواريبها.

والى ذلك يتخوّف السياسيون أنفسهم من احتمال محاولة هذه الجهات الاقليمية الضغط على عنصر القوة التي يمثّلها حزب الله في لبنان والمنطقة، الى حدود تجاوز الخطوط الحمر المرسومة لحماية هذا الاستقرار.

وفي هذا السياق يشيرون الى انّ زيارة وزير الخارجية الايرانية محمد جواد ظريف الاخيرة للبنان أعطت إشارات ايجابية لجهة الاستقرار اللبناني وعناوين الحلول الاقليمية المرتقبة، ولكنّ فريق 14 آذار كان انتقائياً في تفسيرها، وكذلك في تفسير الخطاب الاخير للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، على أنه «انقلاب» على كلام ظريف.

ويقول السياسيون انّ هذا الفريق الآخر يعيش ما يشبه «التوهان والضياع» في الرؤية حالياً بسبب انشغال حلفائه الاقليميين في ازمات اليمن وسوريا والعراق، وكذلك أزماتهم المالية، ما انعكس عليه أزمة مالية وأزمة في الاجندة وأزمة في استشراف المستقبل.

في حين انّ فريق 8 آذار وحلفاءه الاقليميين يمتلكون رؤية واضحة، فهم يخوضون الآن معركة الزبداني، وحين تسقط هذه المدينة خلال الاسبوعين المقبلين سينجلي المشهد الاستراتيجي عن مفاعيل هائلة لهذا السقوط لبنانياً وسورياً واستراتيجياً، علماً انّ المقاومة تؤدي الآن دوراً نوعياً في سهل الغاب في ادلب الذي استعاد الجيش السوري زمام المبادرة فيه، في موازاة لَجم تنظيم «داعش» في بلدتي «صدد» و»مهين» في ريف حمص الشرقي، ومنعه من تحقيق اختراق جوهري في حمص، وفي الوقت نفسه أُحبِط الهجوم السادس على التوالي منذ رمضان الماضي على الجبهة الجنوبية في درعا.

وكل ذلك يؤكّد، في رأي هؤلاء، انّ الاجندة الاستراتيجية لمحور «المقاومة والممانعة» واضحة، وبالتالي ترتيب الاولويات واضح لديه، وعلى هذا الأساس يتعاطى مع الوضع الداخلي بضوابط تخدم أجندته وتتمثّل بالحفاظ على الاستقرار، والحد الادنى من الحفاظ على الحكومة، ولَو بوضعية المشلولة، والاستمرار في الحوار مع تيار «المستقبل» على رغم أنه حقّق سياسياً نتيجة «صفر مكعّب» حتى الآن، ولكنه ساهم ولا يزال في دعم الاستقرار الامني عبر تبديد التشنّج المذهبي، وتأمين جدران الحماية للبنان.