التفاؤل الذي أشاعته عودة الرئيس سعد الحريري إلى بيروت بقرب انتخاب رئيس للجمهورية والذي يعيد الاعتبار إلى الدولة التي تتخبط بالأزمات، وتتهاوى يوماً بعد يوم بسبب إستمرار الشغور في الرئاسة الأولى، عاد إلى الانحسار والتبدد، ودخل لبنان في أخطر المراحل، خاصة في ظل الكباش الإقليمي المحموم على خلفية الأزمة السورية، وفي ظل إصرار حزب الله وحلفائه على إلحاقه بإيران وسلخه عن عروبته وعن الدول العربية الشقيقة الحريصة على هذا البلد، وعلى استقراره وتقدمه ورفاهية شعبه ووحدته.
من هنا، فإن الخروج من هذه الحالة بات يتطلب مقاربات جديدة عابرة لأية اصطفافات أو مراهنات تبدأ بإستيعاب الصدمة السعودية بإجماع لبناني وعلى الاعتذار من المملكة على إساءات حزب الله والمستمرة عليها على أن يكون الحزب أول المعتذرين علناً عن هذه الإساءات وأول المؤكدين على عروبة هذا البلد وعلى التزامه بالإجماع العربي، كما ينص عليه ميثاق الجامعة العربية وقبل هذا وذاك وبعده الالتزام بلبننة الاستحقاق الرئاسي وعدم رهنه لإيران لتستخدمه ورقة على حساب استقلاله وسيادته واستقراره، ومن دون اقدام الحزب على هذه الخطوة، لم يعد هناك من سبيل لإنقاذ الوطن من الويلات.
وإذا كانت المواقف التي أعلنها الرئيس الحريري منذ عودته، والاتصالات التي شملت كل الأطراف والفرقاء، الهدف منها لبننة الاستحقاق الرئاسي وتحييد لبنان عن الصراعات في المنطقة في ضوء إعلان الدول الفاعلة على الساحتين الإقليمية والدولية تأييدها ودعمها لمبادرته، ودعوتها اللبنانيين كافة إلى التوافق على صيغة تفضي إلى انتخاب رئيس الجمهورية، لم تلق تجاوباً من حزب الله وفريقه ولا يوجد حتى الساعة أية مؤشرات تشي بأن حزب الله في هذا الوارد، وكل مواقفه وحلفائه تدل على انه ماضٍ في التبيعة لإيران في عزل لبنان وليس سلخه عن الدول العربية وحسب، بل تحويله إلى مركز للتآمر عليها، ما يعني أن لا انتخابات رئاسية في المدى المنظور ولا إستقرار سياسي بل مزيد من الاشتباكات، ومزيد من التأزم وخوف حقيقي عن الاستقرار الداخلي.
قد تخفّف القرارات التي صدرت عن مجلس الوزراء من وطأة الأزمة التي أدخلته فيها تصرفات حزب الله وفريقه 8 آذار من حدتها وتداعياتها، يبقى الأهم فيها ترجمتها إلى أفعال وممارسات عملية، لا أن تبقى حبراً على ورق أو أن يتم التراجع عنها قبل أن يجف حبرها كما حصل بالنسبة إلى إعلان بعبدا وإلى اتفاق الدوحة، ولا يكون الموقف الذي أعلنه وزير الخارجية جبران باسيل بعد مجلس الوزراء هو المؤشر على ذلك.