Site icon IMLebanon

مراوحة

موجة التفاؤل التي سادت في الأيام العشرة الأخيرة، بإنجاز التسوية الرئاسية، وارتفاع حظوظ نائب زغرتا سليمان فرنجية للوصول إلى قصر بعبدا قبل نهاية العام بنسب وصلت إلى أكثر من النصف، وربما لامست التسعين بالمائة بعدما انهالت مواقف الترحيب الإقليمية والدولية للمبادرة التي أطلقها رئيس تيّار المستقبل سعد الحريري بتسمية نائب زغرتا كمرشح تسوية، هذه الموجة من التفاؤل تراجعت أواخر الأسبوع المنصرم إلى حدود كبيرة، وفق ما نُقل عن أحد عرّابي هذه التسوية المفترضة، والسبب يعود إلى تداخل عدّة عوامل داخلية أبرزها رفض الأحزاب المسيحية الثلاثة، التيار الوطني الحر والقوات والكتائب، لتسمية فرنجية والإتجاه فيما بينها لإقامة حلف ثلاثي جديد على غرار الحلف الثلاثي الذي قام ضد الحكم الشهابي في الستينات والذي كان من أبرز نتائجه خروج الرئيس فؤاد شهاب من الحياة السياسية اللبنانية إضافة إلى عوامل إقليمية ودولية التي أدّت إلى تراجع عملية التسوية السياسية المقترحة لإنهاء الأزمة السورية نتيجة الخلاف بين الغرب والولايات المتحدة الأميركية والدول العربية المشاركة في محادثات فيينا حول مصير بشار الأسد في هذه التسوية والذي عبّر عنه مؤخراً أحد كبار مستشاري مرشد الثورة الإسلامية في إيران بقوله أن الرئيس الأسد يُعتبر عند إيران خطاً أحمر، في الوقت الذي تصرّ المملكة العربية السعودية بلسان وزير خارجيتها الجبير على أن أي تسوية تبدأ بأن لا يكون للرئيس السوري الحالي أي مكان فيها.

وليس أدلّ على تراجع التسوية الداخلية التي تردّد قبل نهاية الأسبوع المنصرم على نائب زغرتا، وأن ترشيحه رسمياً أصبح على قاب قوسين وسيُعلن من بيت الوسط بعد عودة الرئيس الحريري المرتقبة خلال أيام معدودة، سوى تضارب الأنباء عن قرب هذه العودة، بانتظار استكمال المشاورات مع حلفائه في قوى الرابع عشر من آذار، الذين جاهروا بمعارضتهم لاختيار رئيس تيّار المستقبل ولا سيما حزبي القوات والكتائب، من جهة، وما إستجد من تطورات على صعيد الاتصالات الدولية الجارية لإنجاز التسوية السياسية للأزمة السورية، وما إستجد أيضاً من معلومات عن استمرار القطيعة بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية والتي جاءت الحملة المتجددة لحزب الله على المملكة وقيادتها تزيد الطين بلّة، وتعبّر عن مدى احتدام الخلافات بين الدولتين.

يُضاف إلى ذلك تراجع حدة إندفاعة مؤيّدي المبادرة الحريرية على الصعيد الداخلي، بدءاً برئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط الذي لم يعد يُخفي وجود عقبات كثيرة برزت في وجه التسوية المقترحة، جعلتها ترتد إلى حالة المراوحة وانتهاءً بالبطريرك الماروني بشارة الراعي الذي أعرب بادئ الأمر عن تحمسه لهذه المبادرة وقرّر فتح أبواب بكركي أمام القيادات المارونية الأربعة والعمل على تضييق شقة الخلافات بينهم إنقاذاً للموقع الماروني الأول في الجمهورية، فإذا به يُقفل أبواب الصرح ويذهب إلى سوريا في زيارة رعوية لم تكن مدرجة على أجندته، ليدلّل بذلك على أن حماسه لهذه التسوية قد تراجع بعدما توضحت الصورة بكل أبعادها وخلفياتها.

لعلّ أصدق عبارة تعبّر عن الواقع الذي آلت إليه التسوية الرئاسية المطروحة هي راوح في مكانك بانتظار تطوّر ما غير محسوب.