حَرِصَ صدام حسين على الإمساك بالزمن من كل زواياه: دمّر ماضي العراق وحاضره ومستقبله. وعمل بدأب وجهد مميَّزين ومُنظّمَين على تحضير كل عدّة الفناء بعد فنائه! وعلى جرّ المنتصرين عليه الى المقبرة التي فتحها منذ نحو خمسين عاماً واستبدل بها بلداً جميلاً وغنياً واستثنائياً، كان اسمه العراق.
وحَرِصَ ويحرص نظام آل الأسد على اعتماد تلك الثلاثية التدميرية بما يبزّ صنوه العراقي: دمّر ماضي سوريا وحاضرها ويعمل بدأب وجهد مميزين على تدمير مستقبلها من خلال تتريب عمرانها ومحو اجتماعها واشعال النار في فتن قد تمتد على مدى عقود فيها!
لم «يتوقع» اي مسؤول عراقي عشية حرب العام 2003 ان يبقى العراق عراقاً بعد صدام حسين. وتبيّن صحّة ذلك! ولم تُخفِ الطغمة الاسدية شعارها «الاسد أو نحرق البلد» إنما فعّلته ونفّذته وتستمر في السهر على حسن إكمال تنفيذه! وضمان أخذ المنتصرين عليها، الى العدم الذي ستذهب اليه!
واقعية صدام جعلته يتيقن في العام 2003 ان أجل نظامه حلّ اخيراً، ولذلك اطلق لقب «أم الحواسم» على حرب جورج بوش.. ومع ذلك أبى ان يفارق البلد الذي حكمه بواسطة حزبه وعشيرته وبطانته وبالحديد والارهاب على مدى عقود، ليتدبر حاله بحاله ويلملم اشلاءه ويلتقط انفاسه ويطلق حملة لمحو آثار العهد البائد! كان حريصاً على ان يثبت للعالم ان رعبه المهول كان معلوماً وممسوكاً فيما الرعب الآتي من بعده سيجعل كل من عليها يترحّم على من في بطنها، وأولهم هو صدام!
وواقعية بشار الأسد تجعله متيقناً أن أجل نظامه حلّ، وصار جثة سياسية.. وأن الخلاف فقط هو على موعد الدفن، ومع ذلك يأبى الا أن يتابع الحفر كي يضمن أن يتسع المكان المقبرة له ولأعدائه من بعده! وكي يضمن أن شيئاً من رؤاه الإفنائية سيتحقق، وأن سوريا خُلِقت له ويجب أن تختفي باختفائه!
أمام هذه السيرة المزدوجة يخجل الشيطان! ويطلّ ستالين كبطل تافه في رواية رعب من الدرجة الثانية. فهو كان يقتل ويبيد كل من يهدد سلطته لكنه في الاجمال حوّل روسيا الى دولة عظمى! وجرّها بالسلاسل من حال زراعية شبه بدائية الى مصنع ضخم، يُعنى بتعمير السجون والمنافي كما بتعمير السلاح واطلاق السباق الى الفضاء! ويُعنى بفتح الجروح كما يُعنى بتوليد أبدع الأدوية المداوية لها! ويُعنى بشقّ رؤوس البشر كما يعنى بانتاج رؤوس الاسلحة النووية والذرّية!
.. مسوّدة مشروع شيطان كان ستالين عندما يُقارن بصدام وبشارّ! هذا محا العراق عن الخارطة، وذاك يمحو سوريا!