في القرار رقم 6 الذي اتّخذه مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة التي انعقدت مطلع الأسبوع الجاري، كلّف وزارة المالية اتّخاذ الإجراءات القانونية الآيلة لتطبيق الحلول المقترحة من قبلها لأزمة الطوابع، والتي تلخّصت في أربعة:
1- تأمين كميات كافية من الطوابع المالية.
2- إعتماد آلات وسم الطابع المالي في كافة الإدارات والمؤسسات العامة والبلديات.
3- دفع قيمة الطابع الورقي بموجب أمر قبض صادر عن صناديق وزارة المالية أو عن الإدارات التي تستخدم نظام أوامر القبض العائد لوزارة المالية، مهما بلغت قيمتها، بصورة مؤقتة.
4- تأمين الاعتمادات اللازمة من أجل المباشرة بتطبيق الطابع الإلكتروني.
جاء القرار بناءً على تقرير رفعه وزير المالية إلى الحكومة، محدّداً الخلاصات الرسمية لأسباب المشكلة وجذورها، بعدم التوازن بين العرض والطلب.
وعليه تدرّجت الأزمة ارتباطاً بعدم الإلتزام بالجداول الزمنية وبكميات الطوابع المطلوب تأمينها للسوق، من دون أن تبرز مساعٍ جدية لإصلاح هذا الخلل، وخصوصاً بعد قرار مجلس الوزراء الذي صدر في حزيران عام 2020، والذي أجاز لوزير المالية الاستعانة بالجيش اللبناني لطباعة الطوابع وتأمينها.
فالعقد الأول الذي وقّع بالتراضي مع مديرية الشؤون الجغرافية في الجيش خلال شهر آذار من العام 2021، أقرّ بتأمين 150 مليون طابع على مرحلتين، بحيث يتم تسليم كامل الكمية في منتصف العام 2022. إلّا أنّ ما سلّم فعلياً كان 67 مليون طابع فقط. عليه، تمّ تعديل الاتفاقية في أيلول 2022 لتخفيض كميّة الطوابع المطلوبة إلى 100 مليون طابع، ما قلّص كميّة الطوابع التي مُدَّت السوق بها حتى تاريخ 2 آذار 2023 إلى 33 مليون طابع إضافي فقط.
جدّدت الاتفاقية مع الجيش في 27 حزيران من العام 2023، ليتقلّص بموجبها جدول الكميات المطلوب طباعتها إلى 50 مليون طابع ضمن مهلة ستة أشهر. سلّم من هذه الكمية عشرة ملايين طابع فئة ألف ليرة خلال شهر تشرين الأول من العام 2023، ولكن هذه الطبعة لم توضع بالتداول بسبب اكتشاف نسخة ثانية تم تداولها في طرابلس. أوقف هذا التطوّر عملية الطبع حوالى ثلاثة أشهر، بانتظار تحديد حجم الضرر بصورة واضحة. لتعود الوزارة وتتسلّم في 21 شباط 2024 عشرة ملايين طابع من فئة خمسة آلاف ليرة، ما أبقى للوزارة في ذمّة مديرية الهندسة في الجيش اللبناني 30 ألف طابع، يفترض أن توضع بالتداول في المرحلة المقبلة، استكمالاً لبنود الاتفاقية المجدّدة. هذا مع الإشارة إلى أنّ هذه الكمية لا تسدّ جوع السوق ما لم يتم تعويمها بالكميّات المطلوبة، والتي تقدر بنحو 200 مليون طابع سنوياً، من ضمنها تلك التي تنسجم مع قانون الموازنة الذي عدّل رسوم المعاملات الرسمية، فارضاً استحداث فئات المئة والمئتين وأربعمئة ألف ليرة التي يفترض أن تطبع لأول مرة.
بالمقابل فتح التخلّف في سدّ جوع السوق للطوابع، شهية المُرخّصين ببيعها، الذين احتكروا الكميات المتوفرة، وقاموا بتخزينها، ليتداولوا بها خلافاً للرخص المعطاة لهم، ومن دون الإلتزام بأسعار فئاتها، بذريعة أنّ جعالة الـ5 بالمئة غير عادلة، علماً أنّ مجموع عدد الرخص لمن يحق لهم بيع الطوابع يبلغ 1345 رخصة، منها 645 رخصة غير فاعلة، وقد تمّ تجميد 348 منها.
هذا الواقع حرّك الأجهزة القضائية بناءً على تقرير وضعته وزارة المالية بالتعاون مع أجهزة أمنية، بانتظار ما ستؤول إليه الأمور من توسّع في التحقيقات، حتى تطال المخالفين بكافة المناطق اللبنانية، بعدما بيّن التقرير المعدّ وفقاً للنائبة غادة أيوب التي تتولّى متابعة هذا الملف نيابة عن تكتل «الجمهورية القوية»، عدم توسّع التحقيقات إلى مناطق الأطراف ولا سيّما منطقة البقاع، وهذا ما يخلق توجّساً من تكرار تجربة الدوائر العقارية في ملاحقة الشبهات بمناطق دون سواها.
إلا أنّ ما بقي غير واضح بالنسبة لتلخيص أسباب هذه الأزمة ونتائجها، هو السبب الذي دفع إلى تقليص كميات الطوابع المطروحة في السوق، وسط تأكيدات تنقلها النائبة أيوب، عن مصادر في الجيش اللبناني، عن استعداده لتأمين كل الكميات التي يمكن أن تطلب منه، علماً أنّ كلفة الطبع هي أيضاً زهيدة. وهذا ما يجعل سرّ أسباب أزمة الطوابع كما حلّها، في وزارة المالية تحديداً.
هذه القراءة تشكّل مؤشراً على كون الأزمة بعيدة عن بلوغ خواتيمها بناء على قرار مجلس الوزراء الأخير، وأنّ الحلول الأربعة المقترحة من قبل وزارة المالية لا تشكّل حلاً مستداماً، خصوصاً أنّها مقترحات تمّ التداول بها منذ أكثر من عام. هذا في وقت لم يتبيّن أنّ وزارة المالية بذلت الجهود الكافية حتى الآن لحلّ هذه الأزمة. فعدد آلات الوسم في الدوائر الرسمية استقرّ على 18، فيما الحاجة هي لـ60 آلة على الأقل. وهناك جهات وفقاً لما تؤكّده مصادر معنية، أبدت استعداداً لتقديمها كهبة. والفوضى في جدولة طباعة الطوابع باقية على حالها، والطابع الإلكتروني لا يزال حبراً على ورق قانون موازنة العام 2022 العامة. أما الحل الثالث المقترح من قبل وزارة المالية والقاضي بدفع قيمة الطابع الورقي بموجب أمر قبض، فيبدو غير محبّذ، كونه يكبّد أصحاب المعاملات رسم الطلب للحصول على طابع، بالإضافة إلى رسم الطابع.
ومن هنا ترى أيوب أنّ الحلّ الأنجز آنياً لأزمة الطوابع هو بتعويم السوق فوراً بكمياتها المطلوبة وفئاتها، مع اتخاذ كل الإجراءات الآيلة للتخلي عن الطابع الورقي، والانتقال إلى الطابع الإلكتروني. وتشير أيوب إلى أنّه بعد صدور قانون موازنة 2024 يفترض أن تلحظ وزارة المالية اعتمادات لتفعيل البند الرابع من القرار، من دون الحاجة للعودة إلى مجلس الوزراء. وأما تنويع الحلول وتعديدها فيخلّف برأيها إنطباعات بأن الوزارة لا تبحث فعلياً عن حلّ لهذه الأزمة.