Site icon IMLebanon

الوقفة المأمولة من إيران وتركيا

إقترب موعد إنعقاد الدورة السنوية العادية للجمعية العامة للأمم المتحدة التي ستبدأ أعمالها على وقْع إزدهار سوق البيع والشراء الذي تعيشه منطقة الشرق الأوسط، وكيف أن خمسة من تجار هذا السوق جعلوا من سوريا ولبنان والعراق وليبيا واليمن اوراقاً يحاول التجار الأربعة استعمالها غير مكترثين بأي ويلات لحقت بهذه الأوطان المغلوب على أمرها وكيف أن النّاس يهيمون على وجوههم مسكونين بالخوف إلى جانب تحمُّل الجوع.

التجار الخمسة الذين يتلاعبون بالأوطان المغلوب على أمرها هم أوباما الأميركي وبوتين الروسي وأردوغان التركي ونتنياهو الإسرائيلي. وأما أشطر التجار فإنه المرشد الإيراني. كل منهم يقايض مصالح تخص غيره بمصالح مماثلة يتولى عملية المقايضة بها تاجر آخر.

أليس هذا ما نراه أمامنا بالكثير من الوضوح منذ أن تسلمت الثورة الإيرانية مقاليد الهيمنة على العراق من التاجر الأميركي أوباما الذي ورث من سلفه المعتدي بلداً على مشارف التساقط؟.

وأليس هذا ما نراه منذ أن تمددت الثورة الإيرانية في إتجاه سوريا وخطفت الرئيس بشَّار الأسد من خيمته العربية فارشة له السجاد في بداية الأمر ولكن من دون سقف كان الأشقاء العرب حريصين دائماً على أن يستمر يقي سوريا من المكاره.

ثم أليس هذا ما نراه عندما قررت الثورة الإيرانية تعزيز تجارتها من أجل تمرير الإتفاق النووي، غير مكتفية بالورقة البشَّارية المرتبطة بالورقة اللبنانية، فقصت شريط سلعة جديدة في تجارتها هي اليمن تقبض بيد حوثية – صالحية على نصف البلد وتستدرج الدولة العربية القوية والمقتدرة المملكة العربية السعودية إلى حالة إستنزاف غير مسبوقة، وفي مخططها أن ما لا يؤخذ بالتدخل كما الحال في لبنان يؤخذ بالإستنزاف وكلما طال أمد الحرب كلما ضخت المملكة ومَن معها إقتداراً، وتحديداً دولة الإمارات، المزيد من المال عدا الإنفاق العسكري. وفي حسابات التاجر الإيراني أنه بالإستنزاف الذي يعمل على إطالته من خلال تعقيد أي حلول للمحنة اليمنية، يستطيع طرْح نفسه كـ «شرطي المنطقة»، تماماً على نحو ما كان يبغيه الشاه الذي ظن أن حليفه الأميركي سيبايعه في هذا الدور ثم يكتشف أن بعض مقتضيات التجارة السياسية أوجبت التخلي عنه وكانت نهايته التي تصلح أمثولة وعبرة لمن عليه أن يعتَّبر.

وقد يظن التاجر الإيراني بتنوع رموزه أن الحليف الروسي يختلف عن الأميركي، أي بما معناه إنه لا يمكن أن يتخلّى عنه في لحظة مقايضة مواقف مع نده الأميركي والدول الأوروبية، أو بعضها على الأقل، التي هي أجرام تدور في الفلك الأميركي. ولكن الذي يجري في سوق البيع والشراء، وليس كل ما يحدث في الكواليس والإجتماعات السرية هو الظاهر للعيان، يكفي للتدليل على أن الذي فعله التاجر الأميركي مع الشاه، من الوارد تكراره مع النظام الثوري الإيراني.

من هنا يتمنى المرء، خصوصاً بعدما فقدت الأمتان، في إعتقادنا، الأمل من أن يكون لنا الحليف الروسي وذلك لأن المسألة تجارة وعمليات بورصة سياسية بدليل هذا الإنسجام المتجدد بين بوتين ونتنياهو، أن تكون للنظام الإيراني وقفة مع النفس على الأقل رداً على السعي الشرير في إسرائيل لوضع اليد إحتلالاً كاملاً أو تجزئة أو حتى هدْماً للمسجد الأقصى.

كما نتمنى أن تكون هنالك وقفة مماثلة من جانب الرئيس رجب طيب أردوغان الذي إصطف كتاجر سياسي إلى جانب التاجر الإيراني يشكِّلان مع التاجر الروسي مباشرة ومع التاجر الأميركي وشريكه  التاجر الإسرائيلي سوقاً هي في نهاية الأمر على حساب العرب.

وأما الوقفة المأمولة فهي عبارة عن مصالحات وتطبيع علاقات بين المتخاصمين والمتباعدين وتحديداً بين إيران والسعودية وبين تركيا ومصر، ولتكن بدايتها من أجل المسجد الأقصى قبل أن تقع الواقعة. وتصبح القضية التي تشغل البال هي «البوركيني» بعد ما شغلتْه ولا تزال «داعش» وكلاهما بدعة لإبقاء حالة الإرتباك والخلاف سائدة في الأمتيْن وبالذات الأمة العربية كونها بالحرْم الثالث بعد الحرميْن الشريفيْن هي منارة المسلمين. ومن أجل ذلك يتواصل إغراق الأمة بأنواع من الأزمات يأمل الحلفاء والأصدقاء أرباب سوق البيع والشراء من زيادة حدتها إطفاء هذه المنارة.

وما يأسف المرء له هو أن حركة البيع والشراء على درجة من الإزدهار، وأما في بعض ديار الأمتيْن فإن الكثيرين من ولاة الأمور عن التبصر في واقع التطورات ساهون. عسى ولعل تبدأ قراءة متأنية لما فعله أوباما الذي هو على أهبة الإنصراف وبوتين الحالم بولاية رئاسية جديدة مدعومة من إسرائيل نتنياهو أو شريكه وزير الدفاع ليبرمان الروسي – اليهودي. وهذه الدعوة إلى القراءة المتأنية هي برسم إخواننا أُولي الأمر في كل من إيران الخامنئية وتركيا الأردوغانية يُعيد هؤلاء النظر في تعاطيهم مع أشقائهم وجيرانهم العرب فتصطلح أمورهم وأمور الأشقاء والجيران كما يتوافر تبعاً لذلك إمكانية علاج المعضلة الرئاسية في لبنان والفاجعة المتواصلة في سوريا والأزمة المفتعلة في اليمن. فمثلما أن الرئيس أردوغان سجَّل إنحناءة تكتيكية إزاء تطبيع العلاقة مع الروسي بوتين والإسرائيلي نتنياهو، فإن إنحناءة مماثلة إزاء تصحيح مسار العلاقة مع مصرالعربية المسلمة سيلقى الكثير من التقدير. فالأقربون أولى بالتطبيع، وعندما سمعْنا رئيس وزراء تركيا بن علي يلدريم يقول يوم الإثنين 22 آب الماضي إنه «يتطلع لتحسين العلاقات مع مصر» مشدداً على ضرورة ألاَّ تنعكس الخلافات بين حكومتيْ البلدين على شعبيْهما، فإننا إستبشرنا خيراً. وسيظل الإستبشار قائماً إلى أن نسمع الرئيس أردوغان ينهي القطيعة المبغوضة مع مصر السيسي بعبارة يقولها باللغة العربية على نحو عبارته ساعة التطبيع التاريخي وبمفردات إعتذارية مع الرئيس بوتين، التي قالها باللغة الروسية. وإذا فعلت تركيا الأردوغانية ما نتمناه منها إزاء مصر، فإن إيران الخامنئية ربما تحذو حذوها كي لا تبقى على حالة الخصام مع السعودية.

ويا ليت تكون الدورة العادية السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة مناسبة لتحقيق هذا الواجب – الأمنية.