ما ورد في التقرير الصادر أخيراً عن وكالة التصنيف «ستاندر أند بورز»، قد يكون أول إقرار بأن المصارف فرضت شكلاً من أشكال الـ«كابيتال كونترول»، واصفة إياه بـ«الناعم»، و/أو إقرار بأن هناك سوقاً مزدوجة لسعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار. وهي لم تكتف بذلك، بل أعادت التذكير بما ورد في تقرير سابق عن احتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية القابلة للاستعمال والمقدرة بنحو 19 مليار دولار، مشيرة إلى أنها ستواجه الضغوط مجدداً. كذلك قالت إن 2.1 مليار دولار انسحبت خارج لبنان… هذا الوضع، بالإضافة إلى الاحتجاجات الشعبية، دفع الوكالة إلى إصدار تقرير «مستعجل» نسبياً بعدما أمهلت لبنان ستة أشهر اعتباراً من آب الماضي، تضع فيه لبنان «قيد المراقبة السلبية» لفترة ثلاثة أشهر، محذرة من خفض تصنيفه في أي وقت من هذه الفترة.
أصدرت أمس وكالة التصنيف «ستاندر أند بورز» تقريراً عن لبنان بعنوان «تصنيف لبنان قيد المراقبة السلبية على ارتفاع المخاطر المالية والنقدية». تشير الوكالة إلى أنها ستقوم بهذه المراقبة على مدى الأشهر الثلاثة المقبلة، موحية بأنه في أي يوم من أيام المراقبة قد تصدر تقريراً عن تصنيف لبنان. بالنسبة إليها، فإن خفض التصنيف يمكن أن يحصل «إذا ظهرت إشارات ضعف على تثبيت سعر صرف الليرة والثقة والاستقرار، فضلاً عن الضغوط على شهية لبنان لخدمة الدين والاستحقاقات في ضوء الحاجات التمويلية الخارجية الكبيرة». وبالعكس، فإن رفع التصنيف أو إبقاءه على حالته الراهنة، مرتبط بظهور «إشارات تدلّ على أن الحكومة اللبنانية تقدمت بخطوات فاعلة في عملية الإصلاح لدفع النمو الاقتصادي وتخفيف مستويات الدَّين على المدى المتوسط. الدعم الخارجي الضروري يمكن أن يساعد على التخفيف من الضغوط وتحسين الثقة في تثبيت سعر صرف الليرة، ويسهم في خطوات تصنيف إيجابية».
المسار الذي رسمته الوكالة، ينطلق من أن الحكومة ستواجه تحديات تتعلق بتحسين صدقيتها في وضع السياسات وتنفيذها، وسط صعوبة في تحليل الوضع الحالي بسبب تسارع التطورات. فهي أشارت إلى أن المصارف فرضت قيوداً «ناعمة» على عمليات السحب والتحويل، «ما يثير التساؤلات حول النظام النقدي». وتفسّر الوكالة عملية فرض قيود على سحب الدولارات، مشيرة إلى أن «شحّ الدولارات يزيد كلفة التحويل من الليرة إلى الدولار في السوق غير النظامية. لذا، فإن هناك سوقين لسعر صرف الليرة مقابل الدولار للمرة الأولى في البلاد».
وأوضح التقرير أنه انسحبت من لبنان رساميل خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2019 بقيمة 2.1 مليار دولار، موضحاً أن نمط نموّ الودائع المقيمة وغير المقيمة «تغيّر بسبب ضعف ثقة المستثمرين وارتفاع المخاطر على تثبيت سعر صرف الليرة مقابل الدولار، وارتفاع أسعار الفائدة». فعلى المدى القصير، تتوقع الوكالة أن تكون احتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية كافية لتمويل عجز الحساب الجاري المقدر بقيمة 13 مليار دولار في 2019، وأن تموّل حاجات الدين وخدمته في تشرين الثاني 2019 البالغة 1.5 مليار دولار استحقاقات سندات يوروبوندز وفوائدها بقيمة 1 مليار دولار، «لكن الضغوط ستتجدّد على احتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية والقابلة للاستعمال والمقدرة حالياً بقيمة 19 مليار دولار».
2.1 مليار دولار هُرّبت من لبنان في 8 أشهر
وتحدثت الوكالة عن شراء مصرف لبنان الوقت. «منذ نهاية السنة الماضية، امتصّ مصرف لبنان السيولة بالعملة المحلية عبر إصدار شهادات إيداع وعمليات مالية (هندسات) للتخفيف من المضاربات على العملة المحلية. هذا الأمر اشترى المزيد من الوقت للسلطات المالية لوضع خطة الموازنة وخطة اقتصادية. على أي حال، ارتفعت نسبة الدولرة إلى مستويات عام 2007 حين بلغت 73%».
وتتوقع الوكالة أن يبلغ العجز الإجمالي 9.5% من الناتج المحلي الإجمالي على مدى السنوات 2019 – 2022، وأن يزداد الدين الحكومي إلى 157% من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية 2022، مقارنة مع 140% في 2018. وهي تشير إلى أن «وضع لبنان قيد المراقبة يعكس مخاطر الجدارة الائتمانية من زيادة الضغوط المالية الخارجية والنقدية… هذه الخطوة تعكس تقلص التدفقات الخارجية التي ستفاقم الضغوط المالية والنقدية، فيما قدرة الحكومة محدودة للاستجابة للمطالب الاجتماعية. إن الضغوط الاجتماعية ومحدودية قدرة المؤسسات في لبنان على الاستجابة لها يمكن أن تضغط أكثر على الثقة وعلى الاحتياطات بالعملات الأجنبية. المؤشرات تقول إن هناك إمكانية بنسبة واحد من اثنين في اتجاه خفض التصنيف».
من ملف : خطر الفوضى