إنقاذ «سعودي أوجيه» بات مستحيلاً، «الامبراطورية الحريرية» السابقة أمام خيارين لا ثالث لهما: إعلان الإفلاس، أو عقد تسويات لنقل جزء من أصولها إلى شركات أخرى. آلاف من موظفي الشركة الذين لم يتقاضوا رواتبهم منذ 16 شهراً يواجهون التشرّد، ويناشدون الدولة التدخل لانقاذهم
ماتت «سعودي أوجيه». ما يحصل منذ أيام ليس سوى مراسم دفنها. منذ فترة طويلة، والحديث يجري عن إفلاس الشركة، أو سعي جهات سعودية ملكية لوضع اليد عليها. طالت المفاوضات من دون أن تصل إلى نتيجة، غير أن مصادر رفيعة في تيار «المستقبل» أكدت أن انتشال امبراطورية آل الحريري من الإفلاس «بات مستحيلاً». فالشركة تحتاج إلى ضخ 10 مليارات دولار فيها، دفعة واحدة.
وهو ما لن تفعله أي جهة، لا السعودية ولا غيرها. وآخر محاولة سعودية لمساعدة الحريري كانت في عهد الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز. فالقروض التي حصلت عليها الشركة، باسم الملك، وصل مجموعها، على مدى سنوات، إلى نحو 40 مليار ريال (أكثر من 10 مليارات دولار أميركي). وهذه القروض كانت من فئة «القرض الحسن»، أي إنها بلا فوائد. ويقول مطّلعون على أوضاع الشركة إن هذه التسهيلات التي تلقّاها الحريري كانت أحد أسباب النقمة على الرئيس السابق للديوان الملكي، خالد التويجري، والتي أدت إلى طرده فور جلوس الملك سلمان على عرش الرياض. ولفتت المصادر إلى أن هذه القروض لم تمكّن الحريري من تفادي غرق «سعودي أوجيه».
اليوم، باتت الخيارات ضيّقة: إما إعلان الإفلاس، وإما عقد تسويات تسمح بنقل جزء من أصول الشركة إلى شركات أخرى. وبحسب المعلومات المتداولة بين موظفين ومديرين في «سعودي أوجيه»، يجري تقسيم الشركة حسب المشاريع التي تتولاها. فعلى سبيل المثال، سينتقل موظفوها العاملون في مشروع «جامعة الملك عبدالله للعلوم» إلى شركة يملكها عدي آل الشيخ، ابن السيدة نازك الحريري، وممثل الرئيس سعد الحريري لدى السلطات السعودية. وستتولى شركة عدي (MMAC) استكمال أعمال «سعودي أوجيه». ماذا عن رواتب الموظفين المتأخرة وتعويضاتهم؟ لا علاقة لعدي آل الشيخ بها، وما على أصحاب الحقوق سوى انتظار ما ستقرره وزارة العمل السعودية. ويشكو موظفون من كونهم ممنوعين من السفر من السعودية، بسبب ديون تراكمت عليهم، وبسبب مصاعب «سعودي أوجيه» التي لا تُقبل مستنداتها لدى السلطات السعودية.مناشدات لباسيل بـ «انقاذ
آلاف العائلات اللبنانية المشردة» في السعودية
ويكفي البحث عن هاشتاغ «سعودي أوجيه» على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى تخرج مئات التعليقات والتغريدات التي تشير إلى حجم الكارثة. أغلبها يتحدث عن «تصفية جميع العاملين»، وعن «حالة استنفار داخل الشركة»، فيما طالب بعضها من أهالي الموظفين الموجودين في لبنان بـ«تنفيذ اعتصام أمام السراي للمطالبة بحقوق أبنائهم من رئيس الحكومة سعد الحريري». وقد انهال بعض المغردين على الحريري بالشتائم، وتوجهوا إلى الوزير جبران باسيل بصفته وزيراً للخارجية وناشدوه «التدخل السريع لإنقاذ آلاف العائلات اللبنانية المشردة بسبب أزمة الرواتب في الشركة منذ ما لا يقل عن 16 شهراً بدون رواتب، وتفنيشات عشوائية بالجملة وبلا حقوق للموظفين». وفي الرسالة توجه هؤلاء برجاء إلى السفارة اللبنانية في المملكة العربية السعودية «لوضع خطة إنقاذ مبرمجة ووضع الحلول السريعة لهذه الأزمة المفجعة التي لم تلقَ آذاناً صاغية، لا من السفارة ولا الشركة، ولا من حلول حتّى الآن»، فيما سرت أخبار عن أن «مجموعة من السعوديين اتفقت على إرسال برقيات للملك ولولي العهد وولي ولي العهد مطالبين بحقوقهم ومتأخراتهم»، كذلك شنّ سعوديون حملة ضد العمال اللبنانيين في الشركة، مشيرين إلى «دمار كل المشاريع التي استلمها لبنانيون في الشركة»!
نهاية الشهر الماضي، نقلت صحيفة «كونستركشن ويكلي»، المعنية بالمقاولات، عن مصادر لبنانية، تأكيدها أن دوائر مقرّبة من مالك شركة «سعودي أوجيه» سعد الحريري تجري محادثات لبيع الشركة العليلة التي تواجه مصاعب مالية وإدارية عدة، وأن تلك المحادثات «في مراحلها النهائية». وأشارت إلى أنه يتوقع إعلان النتيجة خلال 10 أيام. وأضافت أن الحريري يعمل على إمكان احتفاظه بنسبة 40% من أسهم الشركة التي عجزت عن دفع رواتب ومستحقات موظفيها البالغة ثلاثة مليارات ريال. وبحسب المعلومات التي تداولها موظفون على حساباتهم، فإن «وزارة العمل تقاعست عن مطالبة الشركة بدفع الرواتب، رغم وجود ما يقارب أكثر من 31 ألف شكوى ضد شركة سعودي أوجيه، فلم تحرك ساكناً ولم يتم اتخاذ أي إجراء فعلي بحقها، وجميع ما اتخذته الوزارة من إجراءات جاء وقعه سلبياً على الموظفين والعمال، من دون أن يتأثر كبار المدراء والموظفين من الحاشية بها».
وعدا عن حقوق الموظفين والكارثة الاجتماعية التي يمكن ان يخلّفها إعلان إفلاس الشركة، ثمة سؤال لبناني سياسي حول تأثير ما يجري على الحريري. مصادر قريبة من الأخير تؤكد أن «خسارة الشركة سيكون لها تأثير سلبي على الرئيس الحريري مع حلفائه وخصومه سياسياً وشعبياً». لكن ما يجب التدقيق فيه هو كيفية تعامل المملكة معه مستقبلاً: هل ستقف إلى جانبه في لبنان؟ هل ستموّل مثلاً حملاته الانتخابية؟ تجيب المصادر: «منذ عام 2009 والحريري محروم من المال السياسي السعودي. لكن لا نعتقد أنها ستتخلى عنه. فالتخلي عنه يعني قراراً سعودياً بمنح لبنان لخصوم الرياض».