IMLebanon

هل ما زالت “الشركات الناشئة” بمتناول الشباب اللبناني؟

 

خرّيجون يبحثون عن عمل بالسراج والفتيلة

 

الأرقام في لبنان وجهة نظر. قد تختلف، قد ترتفع، قد ترتفع أكثر لكنها، على الأكيد، لا تنخفض. والسؤال، ماذا قد يفعل مئات آلاف العاطلين عن العمل وبينهم الكثير الكثير من الشباب اللبناني؟ كثيرون يفكرون اليوم جدياً بتكوين شركات ناشئة startup لكن لهذا النوع من الشركات أسس ومداميك أيضاً لتصمد وتكبر. فهل يعرف الشباب اللبناني عنها شيئاً؟ هل يعرفون أن مصرف لبنان أطلق ذات يوم تعميماً رقمه 331 يدعم به المجتمع المعرفي والشركات الناشئة؟ مصرف لبنان تهاوى. أرقام البطالة حلقت. وشباب لبنان ضائعون. فهل من حلول سحرية يعتمدونها، يقتحمونها، بهدف أن يصمدوا في الزمن الصعب وأن يتحولوا الى مصدر طاقة إيجابية، في محيط مخيب للآمال؟

في آخر الأرقام التي أعلنتها “الدولية للمعلومات”: 50 ألفاً تركوا أعمالهم ونحو 500 ألف عاطل عن العمل. نحن نقول أكثر. ثمة موظفون يعملون لكن وكأنهم لا يعملون. ثمة موظفون يدفعون آخر الشهر رواتبهم بدل إشتراك في طاقة كهربائية يولّدها موتور خاص. ويبقون طوال الشهر في انتظار آخره. فهل هؤلاء، في التصنيف العام، يعملون؟ عشرات الآلاف صُرِفوا من العمل. آلاف المؤسسات تعثرت. آلاف أخرى أقفلت. ونسبة البطالة لامست الـ 35 في المئة. وغادر 65,676 ألفاً عملهم بحسب الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي في خلال الأعوام 2019 و2020 و2021 بينهم أكثر من 15 ألفاً تركوا بسبب الوفاة او العجز او بلوغ السن القانونية. تعددت الأسباب لكن السبب الأول، “الأكثري”، هو عدم القدرة “بقا” على الصمود. فما بال شباب اليوم الذين يتخرجون من الجامعات الى اللامكان؟ ما بال 77 في المئة من شباب لبنان الذين يفكرون في الهجرة؟

 

فلنفكر معهم. ماذا عن الشركات الناشئة التي يفكر بها، من يصمد حتى اللحظة هنا، كحلٍّ يُخرجه من قوقعة البطالة؟

 

فكرة وتمويل

 

نجول في أرجاء العاصمة. نجول بين طيات صفحات السوشال ميديا. فلنلتقط الكثير من “العروضات” التي تشي بأن أصحابها سلكوا طرق البحث عن عمل ما خاص، عن تأسيس عمل، عن فكرة، عن سبيل، فهل هذا نوع من startup؟ وهل كل فكرة مجدية؟ يجيب الخبير الإقتصادي الدكتور لويس حبيقة: “ثمة أمران مطلوب إلتقاؤهما من أجل نجاح أي مشروع قد يحاول أيّ كان خوضه وهما: فكرة مقبولة، “تجديدية” يحتاج إليها المجتمع، والى إيجاد تمويل. فما النفع إن كانت الفكرة عظيمة ولا إمكانية مالية لتنفيذها. ستأتي النتيجة “فارطة”. ولا تجد كل الأفكار الآذان الصاغية والإقبال. الأمر يتطلب الجهد. لذا يلجأ بعض أصحاب الأفكار الى ما يسمى التمويل الجماعي crowdfunding ويُقصد به العملية التعاونية المبنية على الثقة وشبكة العلاقات بين الأفراد.

 

فلنفرض أن أحد الشباب، ممن يبحثون عن فرصة، نوى إفتتاح مصنع أقلام، فعليه أولاً أن يدرس الأرض، ومدى رغبة الجمهور بمنتوجه والى تمويل، والتمويل يحتاج الى أن يثق المموّل بالمنتوج وبصاحب المنتوج. يجب أن تتوفر، بحسب الدكتور حبيقة، الرغبة والإرادة. وما لا ينتبه إليه كثيرون هو أن الطامح الى إنشاء شركة ناشئة قد يكون في “أول العمر” وقد يكون شخصاً ظنّ أن العمر قد مرّ عليه. فليس صحيحاً أبداً أن الشركة الناشئة يفترض أن تكون مملوكة من شاب أو شابة، بل قد يكون إنساناً “برم” دولابه في لبنان، كما حال الكثيرين اليوم، وترك عمله، وسيرته الماضية ناصعة. يمكن لهذا الإنسان أن يجد من يُموّل شركته أسرع من سواه.

هل من آفاق؟

 

في لبنان، هناك مؤسسات تدعم الشركات الناشئة. نتصل بـ berytech فيجيبون بعد محاولات شتى لكن لا “مسؤولين” في الشركة حالياً. نجول على داعمي الشركات الناشئة ولا مجيب ولا من يحزنون. ثمة شخصيات سياسية ومؤسسات دينية تدعم. ميشال ضاهر سبق وأطلق مبادرته في اتجاه الإقتصاد الرقمي والذكاء الإصطناعي. مركز الشارقة لريادة الأعمال “شراع” دعم بدوره بعد تفجيرات بيروت، عشر شركات ناشئة في بيروت. جمعية لابورا أطلقت هي أيضاً مشروع منصة إلكترونية لمساعدة شركات اللبنانيين المقيمين الناشئة عن طريق المنتشرين. السفارة الأميركية في بيروت تواصل هي أيضاً دعم الشركات الناشئة… كثيرون يهمهم أمر لبنان والشباب اللبناني والحدّ من نسب البطالة المتفاقمة لكن، ماذا عن تعميم مصرف لبنان 331 الذي صدر في آب 2014 بهدف ضخّ 400 مليون دولار أميركي في “إقتصاد المعرفة” اللبناني، على شكل إستثمارات تقوم بها المصارف اللبنانية الخاصة وتعزيز البيئة الحاضنة لريادة الأعمال؟ نسأل ذلك باسم كثير من اللبنانيين الذين “يأكلون أصابعهم” ندامة على ثقتهم بقطاع مصرفي “أكل الأخضر واليابس”. وطبيعي بالتالي أن يكون التعميم معلق في زمن سيول التعاميم الخنفشارية.

 

لا، لا مجال لليأس. فثمة حلول دائماً. ثمة شباب (وناضجون) صنعوا من لا شيء أشياء. ثمة شركات تعمل على إدارة النفايات، أصحابها شباب انطلقوا من الصفر. “أنغامي” إنطلقت من هنا. شركات نقل كثيرة تأسست. شركات “دليفري” كثيرة نشأت أيضاً. واحد منها التطبيق اللبناني toters الذي أصبح على هاتفنا وانطلق على شكل شركة ناشئة. تطبيقات على مدّ النظر تأسست إنطلاقاً من فكرة. ولكن، من يستطيع اليوم في الوقت الصعب الصمود وما هي مقومات الصمود؟

 

ثمة خبر تكرر على مسامع كثيرين: 9 من كل 10 شركات ناشئة تفشل. فهل الشباب هنا أيضاً في خطر؟ هل تفكيرهم بحلٍّ محال؟ هل عليهم أن يتراجعوا قبل أن ينطلقوا؟

 

فكرة حلوة

 

هناك، في الولايات المتحدة الأميركية، إفتتحت الشابة هلا الأشقر، إبنة نقيب أصحاب الفنادق في لبنان بيار الأشقر، شركتها الناشئة لبيع حلوى eclairs. هي صحيح موجودة هناك في بلاد الأحلام لكنها لبنانية وتجربتها قد تفيد. فلماذا حلوى الـ”إيكلير” في بلاد يأكل من فيها “تشيزكيك” و”مافن” و”براونيز”؟ وما هي مقومات إنشاء شركة ناشئة ناجحة؟

 

هلا الأشقر بحثت كثيراً عن فكرة جذابة وتحبها وتتحدى من خلالها. هي ثلاثة مقومات ضرورية للإنطلاق. وقررت أن تنقل الحلوى الفرنسية الى البلاد الأميركية. وأضافت إليها “خلطتها السحرية” التي لا مثيل لها. وهي عرفت منذ البداية أن الشركة الناشئة مثل الطفل الذي يحتاج الى عناية وصبر. صحيح هي غير صبورة كثيراً لكن حين تُحب تفعل. وما فعلته مغرمة به. هي درست أصلاً علم الإقتصاد والمال لكن ما استخدمته في “فكرتها” هو الشغف والمتابعة والعشق. وهي من القائلين بوجوب إلتماس مطالب ورغبات السوق في البداية، قبل وضع الكثير من المال في مشروع قد يفشل. لذا لم تستخدم من الرصيد الذي وضعته لفكرتها إلا ثلثه في البدايات وحين بدأت تكبر زادت عليه تدريجاً. هي فكرة يجب ألا يغفلها من يفكر بتأسيس شركة ناشئة.

 

أدوات عملها هاتف خلوي ولابتوب ونقطة على السطر. هي أدوات لا بُدّ متاحة أمام الجميع اليوم. لذا، ما يجب أن يبحث عنه الشباب اللبناني هو الفكرة التي هي اللبّ والأصل والفصل. ولتكن فكرة غير تقليدية. ثم فليبحث الشباب عن بعض التمويل البسيط في البدايات. من المهم جداً ألا يفكروا فقط بجني المال بل بتوسيع رقعة إنتشارهم. والمال يلي.

 

تجربة الشابة اللبنانية ناجحة، لكن قد يطل من يقول: هي تعيش في أميركا وهناك مجال تحقيق الأحلام أكبر. هنا كل الأمور تذهب في اتجاه قتل الأحلام في مهدها. هؤلاء ربما على حقّ لا بُدّ من حلول. وإنشاء شركة ناشئة، بسيطة جداً في البدايات، قد يكون مفيداً جداً. فكروا فيها مرتين.

 

العالم كله يتجه الى إنشاء الشركات الناشئة. ثمة إستثمارات ضخمة في هذا النوع من الشركات في الشرق الأوسط وشمال افريقيا. العالم العربي يحلم Arabian dream والأميركيون يحلمون American dream. ترى هل فقدنا نحن كل أحلامنا؟ ليس أمام الشباب اللبناني الذي لم يهاجر بعد اليوم، إلا في حل من إثنين: الموت أو الحلم؟