Site icon IMLebanon

مبادرات “الفرد والجماعة”… لا توقِف المجاعة

 

الاقتصاد التكافلي والعودة إلى الأرض “خشبة” خلاص في بحور الأزمات!

 

 

إرتفاع منسوب التكافل والتضامن بين المواطنين من جهة وبينهم وبين الجمعيات و”التعاونيات” من جهة ثانية، ومحاولات العودة إلى الأرض لتأمين الغذاء، إيجابيتان وُلدتا من رحم الأزمة النقدية الخانقة التي تعصف بلبنان.

المبادرتان الإنسانية والإنتاجية تشكّلان ما يُعرف بـ “اقتصاد التعاضد”، وتهدفان إلى خلق حالة تغطّي إهمال الدولة، وتؤمّنان منفساً بعيداً من التدابير المصرفية المقيّدة. فهل ينجح المجتمع المدني الذي زرع هذه البذرة بتأمين عناصر نموها وتحويلها إلى مثمرة؟

 

“stand for Lebanon” مبادرة مثلثة الأطراف أطلقتها “جمعية التجارة العادلة”، وهي تقوم على تأمين التمويل من قبل لبنانيين مغتربين من أجل شراء محاصيل حوالى 40 تعاونية زارعية، من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، ومن ثم توزيعها على العائلات والمحتاجين.

 

“صحيح أن هذه المبادره وشبيهاتها على مستوى المجتمعات المحلية تؤمّن الحد الأدنى من الصمود، إلا أنها تبقى قاصرة عن معالجة الأزمة النقدية التي أصبحت تتطلب إعلان حالة طوارئ إقتصادية”، يقول رئيس الجمعية سمير عبد الملك.

 

إلى جانب المبادرات التي تشجّع على العودة إلى الأرض والإنتاج، تنشط جمعيات كثيرة ذات سمعة جيدة لدعم الأسر والأفراد. فجمعية “Arcenciel” تلعب دوراً طليعياً في المساعدة، ومطابخ الثورة بدأت في ساحة الشهداء وصيدا بتقديم وجبات مجانية شبه يومية بعدما كانت مرة واحدة في الأسبوع، وهناك عشرات الحملات لجمع وتوزيع الملابس والمواد الغذائية، ومبادرة “منقوشة” التي جمعت 100 الف دولار بعد انتحار ناجي الفليطي.

 

مختلف القرى في الريف تسجل عودة واضحة إلى الأرض، وبحسب عبد الملك فإن “الوحدات الإنتاجية (تعاونيات) التي تعمل معها جميعة التجارة العادلة توسعت بشكل كبير. فمثلاً بعدما كانت الكمية المزروعة من الزعتر محصورة بـ 5 آلاف متر مربع أصبحت كل الضيعة تزرع الزعتر”.

 

مبادرات… ونزوح عكسي

 

إرتفاع أسعار مختلف السلع المترافقة مع زيادة أعداد المصروفين من أعمالهم وظاهرة النصف راتب، عكست المقولة الشهيرة “شرايته ولا تربيته”. فتربية الدجاج من أجل الحصول على اللحم والبيض أصبحت أوفر من الشراء وأكثر أماناً، كذلك الأمر بالنسبة إلى شراء الماعز من أجل الحصول على الحليب والألبان والأجبان. وتسجل مختلف القرى عودة إلى زراعة الحبوب والبقوليات تحسّباً للقادم من الأيام.

 

الناشط في مجموعة “لحقي” الداعمة للمبادرات الإقتصادية ماهر أبو شقرا يرى أن “المبادرات على اهميتها لا تزال محدودة، ذلك أن الأزمة لم تستفحل بعد. إلا أنه في المرحلة اللاحقة سوف نشهد نزوحاً عكسياً من المدينة إلى الريف، خصوصاً مع اشتداد وطأة الازمة النقدية وتعمقها، وارتفاع أعداد المصروفين من أعمالهم. هذا الواقع سيتسبب بضغط كبير ويدفع المواطنين إلى تلمّس اهمية تأمين الإكتفاء الذاتي من خلال الإنتاج الزارعي”.

 

المصارف…و”الكاش”

 

محاولات الصمود على صعيد المجتمعات المحلية لم تتبلور بعد في القطاع التجاري. ففي الوقت الذي يحكى فيه عن محاولة بعض التجار التجمع في وحدات من أجل الإلتفاف على القيود المصرفية وتسهيل الحركة التجارية، لا يستبعد نقيب مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي إمكانية نشوء “إقتصاد الحاجة” لتسهيل الإستيراد “خصوصاً مع تشديد القيود المصرفية”. إلا انه، بحسب بحصلي، “لا بديل جدّياً لغاية الآن عن المرور بالمصارف، من خلال تأمين “النقود الطازجة”، لدفع ثمن المشتريات في الخارج”.

 

على صعيد المبادلات الداخلية يسجّل رجوع ظاهرة “الكاش” او تداول الـ “بنكنوت” نقداً بين التجار “بالإكراه”، لتأمين متطلباتهم وتسهيل معاملاتهم. وبحسب رئيس “تجمع مزارعي البقاع” ابراهيم الترشيشي فإن هذا “يدل على مستوى التراجع والإنحطاط الذي وصلنا اليه. وهو يفاقم من معاناة كل القطاعات الإنتاجية التي أصبحت عاجزة عن فتح الإعتمادات المصرفية ونيل التسهيلات الموقتة لتلبية متطلبات النشاط الإقتصادي، وتتكبد مشقة كبيرة وخسائر فادحة نتيجة اضطرارها إلى تحويل الليرة الى الدولار من اجل شراء المستلزمات والأدوات الزراعية”. وبحسب ترشيشي، فإن “هذا الامر سيدفع الى إقصاء صغار المزارعين وأصحاب محلات تجارة وبيع الادوات الزراعية بشكل كلي، لعدم تمكّنهم من المنافسة في ظل هذه الظروف”.

 

ويلفت حصلي إلى أن “الإقتصاد اليوم أصبح مبنياً على التعامل النقدي خارج إطار المصارف، بعدما توقفت الأخيرة عن تنفيذ عمليات القطع وتحولت إلى معبر للشيكات لا أكثر ولا اقل”.

 

الغموض سيد الموقف، وما ينطبق على الأفراد لجهة التعامل مع الأزمة كل يوم بيومه، يسري على التجار، وحسبما يبدو، على صانعي القرار أيضاً، وكأن الاقتصاد أصبح كمركب وسط الامواج من دون ربان… وهذا أكثر ما يُخيف.