Site icon IMLebanon

الدولة الملتبسة

 

هل صار ممكناً الافتراض جهراً، بأن الحالة الانسانية المتصلة بالعسكريين المخطوفين في القلمون، أهم من كل كلام آخر، أكان هذا يتعلق بمكافحة «ارهابيين» أم «بهيبة» الدولة، ام بحسابات المواجهة الدائرة في الداخل السوري، ام بسياقات، غير مفهوم فيها، اين هي مصلحة لبنان وأين هي مصلحة داعمي بشار الأسد من اللبنانيين؟!

وهل صار ممكناً الافتراض جهراً ان الدعوة الى دفع ثمن تحرير هؤلاء الاسرى لا تضر بـ»قضية» لبنان ولا بمعطى التفاوض.. ولا تقدم «خدمة مجانية» للخاطفين، إنما هي أخذٌ لواقع مرّ قائم مثلما هو، ودعوة الى التأسّي بدول أكبر وأقوى وأهم، وبجماعات وتنظيمات ومؤسسات تواضعت وفعلت كل شيء لتحرير اسرى لها ورهائن! ولم تعتبر ذلك انتقاصاً من كرامتها او سيادتها أو جبروتها، بل العكس تماماً: افترضت أن ابتزازها بقتل مواطنيها، ليس أهم من حياة هؤلاء المواطنين! وأن تسليمها بدفع ثمن حريتهم ليس إنتقاصا من المفاهيم السامية لها ولمؤسساتها، وانما حفظ لها، وتثبيت للمعطى الأنبل المتصل بوظيفة الدولة من حيث رعويّتها وأبوّتها قبل سطوتها وجبروتها وقوانينها الرادعة.

نطاق التذاكي والمناورة والتشاطر يليق بالتجارة وصناعة المال وحركة البورصة، كما في كل شأن مطّاط بين البشر، إنما في الشأن المتصل بالحياة والموت يصير ضرباً من ضروب «الاستلشاق» الذي لا يليق بالدول ولا بالمؤسسات الرسمية ولا بالدساتير وفلسفاتها ومراميها.

وفي هذه الناحية تحديداً، يصير الالتباس معطى ايجابياً وليس سلبياً. حيث الدولة ملتبسة في لبنان وليست واضحة كما في غيره! وحيث الدستور نصّ إلهاميٌّ أكثر من كونه الناظم الأول لاجتماع اللبنانيين ولمؤسساتهم ووظائفهم ووظائفها، مثلما هو الحال في أي دولة طبيعية! وحيث القضاء كما هو؟! وحيث ادوات السلطة تشبه دوائرها. وهذه تشبه القوى التي تشكّلها. وهذه تعكس أهواء وانتماءات متشعبة وتشبه الريح التي لا مستقرَّ لها! وحيث السياسة الخارجية وجهة نظر وليست قراراً مركزياً! والسياسة الداخلية وجهة فيها نظر، لكنه خاضع لميزان الارض اكثر من خضوعه للكتاب والنص الدستوري! وحيث المفاهيم الجامعة حلم ليلة صيف.. وأولها «هيبة الدولة» والمقايضة ومبدئية التفاوض مع «ارهابيين».

الدولة الملتبسة متخفّفة من أثقال المتابعة والمحاسبة.. ولن يعتب عليها أحد إن وضعت «هيبتها» على رفّ ذلك الالتباس، وتَنَازُلَها على رفّ ازدواجية الشرعية والشارع! وذهبت الى المقايضة من اجل استرداد رعاياها و»موظفيها»!

لكن هل لا يزال ذلك ممكناً ام ان هذه الأزمة الاستثنائية صارت أسيرة بدورها لمعطى مزدوج: داخلي كيدي منع بشروطه، التحرك السريع قبل الآن، وخارجي متصل بالخاطفين أنفسهم وبقياساتهم الأولى للحياة والبشر؟!