IMLebanon

الدولة والنظام في معادلة الضرورة

في أي انتخابات، رئاسية أو سواها، مؤيدون ومعترضون، يعكسون الواقع السياسي في البلاد والتحالفات الملازمة له.

بعد مخاض أكثر من عامين أخذت «معادلة الضرورة» طريقها باتجاه شراكة متوازنة، وهي تجسّد تحالفات عابرة للمحاور والطوائف لحماية البلاد ولإعادة بناء ما تصدّع من مؤسسات لا قيامة لدولة مسؤولة من دونها.

لم يعد لبنان بحاجة إلى وصاية، فسنّ الرشد أتت وإن متأخرة. والحماية الآن ذاتية، وقد تكون أجدى وأفعل.

مسار العماد عون لا يجاري المألوف في السياسة اللبنانية: مِن الجيش إلى السياسة والزعامة… والرئاسة. وفي كل حقبة صفات قيادية من حواضر الذات. خَبِرَ العماد عون السلطة في أصعب الظروف وأحلكها. يقاتل من موقع الضعف ويهادن من موقع القوة. وهو المتصالح مع الذات ومع الغير ومع قناعات ومبادئ لا مساومة عليها.

تجارب الحكم والزمن والإنجازات والخيبات أنضجت الواقع الجديد الذي أفرزه المسار الانتخابي: تحالف صادق مع «حزب الله» ومصالحة ثابتة بين التيار الوطني الحر و «القوات اللبنانية»، وتلاقٍ ناضجٍ بين العماد عون والرئيس سعد الحريري. فالتعاون والانفتاح ممرّان إلزاميان في إدارة شؤون الدولة والناس.

بعد «الربيع العربي» والتحولات التي أفرزها، حروباً واضطرابات، يأتي ربيع لبنان بوسيلة السلم لينتج واقعاً مغايراً عمّا اعتاده اللبنانيون في سنوات مضت. الرابحون كثر والمنسحبون قلّة، والمتضررون يسجلون موقفاً يختلط فيه الشخصي بالسياسي. وهذا متوقع ومشروع.

نصف الكوب الملآن امتلأ نصفه الآخر، بدل أن يملأه الفراغ، فتعود السياسة اللبنانية إلى حاضنتها الداخلية وبشراكة كاملة. هكذا أخذ الرئيس الحريري قراره الجريء، وقبله الدكتور جعجع، وَقَبْلَ الإثنين «حزبُ الله». وأعلن الرئيس بري موقفاً معارضاً، وهذا حق له شكلاً ومضموناً. إنها معادلة الأقوياء في قرار جرّ البلاد إلى الاستقرار بدل جرّها إلى الهلاك، فلا يكون الآتي أعظم.

في مراحل سابقة، جاء القرار الرئاسي وسواه من الخارج، في زمن الوصاية وما بعدها، كما في انتخابات 2008، عندما حُسم الخيار الرئاسي قبل اجتماعات الدوحة. جاء اهتمام الدوحة بلبنان في سياق السياسة الخارجية المتحركة لقطر، لا سيما في الشأنَين اللبناني والفلسطيني، وليس لأن الأزمة اللبنانية كانت مدار اهتمام الدول الكبرى أو بسبب تداعياتها الإقليمية والدولية، خلافاً لمرحلة اتفاق الطائف عندما كان لبنان ساحة وحيدة للنزاعات الإقليمية.

بعد إقرار وثيقة الوفاق الوطني انتُخب النائب رينيه معوض رئيساً للجمهورية واغتيل بعد أيام على انتخابه. وبعدما رفض عدد من المرشحين المحتملين دفتر الشروط الرئاسي، تم انتخاب النائب الياس الهراوي الذي أمّن الغطاء المطلوب لإزاحة العماد عون بالقوة. أما اليوم، العماد عون، المرشح الأبرز للرئاسة، ليس «متمرداً على الشرعية» ولا يستأثر بالسلطة. الظروف التي أدّت إلى الانتخابات الصورية في الرئاسة الأولى وسواها في مراحل سابقة لم تعد قائمة. في الداخل توازنات سياسية دقيقة وفي الخارج أولويات لا موقع للبنان فيها ولا دور.

بعد الشغور الرئاسي، قامت القيادات المعنية بجولات استطلاع في الخارج والداخل لتكتشف أن الخارج غير مكترث بسياسة المحاور اللبنانية. فلكل طرف خارجي حساباته وأولوياته، إذ لا يمكن للبنان أن ينافس ساحات القتال المنتشرة في المنطقة. التلطي بالخارج لم يعد ينفع: «حزب الله» هو الممر الإلزامي لإيران في لبنان، وممر السعودية الإلزامي لتصويب علاقاتها مع واشنطن أو إنهاء حرب اليمن ليس لبنان. كما أن المعادلة الداخلية الراهنة مختلفة عن المعادلات السابقة لجهة موازين القوى والتحالفات السياسية والتحديات التي تواجه الأطراف جميعها، ما أوجد واقعاً جديداً بالمقاييس اللبنانية.

اقتنع المعنيون بالشأن الرئاسي أن لا خطة «ب» لدى العماد عون، والخطة «ب» التي اعتمدها الرئيس الحريري مع ترشيح النائب سليمان فرنجيه، بعد ترشيح الدكتور جعجع، أبقت طريق الرئاسة موصدة. وهذا ما عبّر عنه الرئيس الحريري بجرأة المسؤول وصراحة الموقف. كما أن الأطراف جميعها متوافقة على موقع الرئيس بري ودوره المحوري في أي موقع كان. إنها معادلة تراعي مصالح الجميع، وإن لم تصل إلى حدّ إنهاء التباينات بين أركانها.

هذه المعادلة الواقعية تعكس الحالة اللبنانية في الظروف الراهنة. فلا دولة تابعة ولا نظام بلا ضوابط الدستور والقانون. إنها لبننة الضرورة من أجل لبنان.