ينظّر علينا دائماً «حزب الله» بأنه يحمي اللبنانيين ودولتهم، بينما واقع الحال انّ ما يقوم به فعلاً هو تنفيذ أجندة إقليمية والخروج على القانون والإجماع الوطني من خلال إقامة مناطق نفوذ طائفي على حساب الدولة وسلطتها المركزية لمصلحة دويلته ممّا يُشكل أعلى مرتبة من مراتب تخريب الدولة وإضعافها وإشاعة الفساد والتهرّب من الالتزامات التي توجبها القوانين، من خلال عسكرة البيئات التابعة له وإقامة مربعات واسعة للأمن الذاتي، وتعميم هذه الثقافة، وتشريع التهريب عبر المرافق العامة، والامتناع عن دفع الرسوم والضرائب، وتشجيع الأسواق السوداء التي يديرها ويستفيد منها المحازبون والمقرّبون، والإتجار غير الشرعي بالدواء والمخدرات والكبتاغون وغيرها.
ودأب «حزب الله» على حصر المسؤولية عن الدين العام وأزمات الكهرباء والمياه وغيره من المشكلات الاجتماعية، في اتجاه واحد يتمّ التعبير عنه بمصطلح السياسات الاقتصادية المعتمدة منذ العام ١٩٩٢، غاسلاً يديه من ناحية ومكرّراً من ناحية ثانية حملات التضليل التي استهدفت الرئيس الشهيد رفيق الحريري ونهجه لاحقاً.
وأدّت تلك الحملات الى شلل إدارات الدولة، وإدخال لبنان في نفق التراجع والجمود، وبصمات الحزب واضحة في كل مكان، ولا يمكن حجب مسؤوليته عن تفاقم الدين العام، والخلل الذي أصاب العديد من المرافق العامة.
إنّ إجماع اللبنانيين على إعلان الغضب ممّا آلت اليه الكهرباء مثلاً، هو دليل قاطع على حال الاهتراء الذي انتهت اليه أحد قطاعات الدولة. وقد يكون من المهم وسط صراخ المواطنين وتذمّرهم، التذكير بأنّ الدولة اللبنانية في النصف الثاني من التسعينات تمكنت من تأمين الكهرباء ٢٤/٢٤ لمعظم المناطق اللبنانية، وأنّ الاعتداءات الإسرائيلية المتكرّرة على محطات الكهرباء، شريكة للفشل المتراكم في إدارة هذا المرفق، والذي تتحمّل مسؤوليته جهات سياسية معروفة حليفة لـ«حزب الله» تعاقبت على استلام زمام أمور الكهرباء والطاقة على مدى سنوات طويلة، ووُضعت في تصرّفها كل الامكانات المتاحة لإدارة هذا المرفق وتخفيف الاعباء التي يرتّبها على الخزينة وتفاقم الدين العام.
إنّ مرحلة الإعمار وإعادة البناء والازدهار الاقتصادي بعد 1992، والتي لم يكلّ «حزب الله» من تشويهها، تتحدّث عن نفسها، مهما حاول المضللون الإساءة اليها وتشويه إنجازاتها.
فقد واجهت تلك المرحلة بمسؤولية وشجاعة آثار العدوان الاسرائيلي الغاشم عام ١٩٩٢ وما نجَم عنه من خسائر اقتصادية ومادية وإنسانية، وتولّت تلك المرحلة بكفاءة عالية مواجهة اجتياح العدو عام ١٩٩٦، وسجّلت انتصاراً ديبلوماسياً غير مسبوق للبنان، مَكّنه من مواجهة تداعيات الاجتياح والخسائر الجسيمة التي حلّت بقطاعات الانتاج والمرافق العامة.
تلك المرحلة أنجزت وأسَّست لأوسع شبكة مواصلات في تاريخ لبنان، وربطت العاصمة بكل المناطق بخطوط لم تكن موجودة لعشرات السنين، ودخلت تلك المرحلة الى الضواحي الجنوبية والشرقية والشمالية بأوسع عملية تأهيل للبنى التحتية التي لم تمتد إليها يد التأهيل والتصحيح منذ الستينات، وأعادت تلك المرحلة بناء المدينة الرياضية فخرّبوها وحوّلوها الى مرعى للفوضى واليباس، وأنشأت المدينة الجامعية في الحدث فجعلوها مقراً حصرياً للاحتفالات الحزبية والدينية الخاصة.
وأقامت تلك المرحلة أحدث مستشفى حكومي في تاريخ لبنان، فأمسَت الآن مستشفى يحتاج الى العناية الفائقة، وأعادت تطوير وتوسعة مطار بيروت ليكون مرفقاً يتّسع لاستقبال ملايين الوافدين والمسافرين وبوابة حضارية تليق بلبنان واللبنانيين، فاتخذوا منه وسيلة لفرض النفوذ وتهريب ما يتيسّر من الحاجات والاتباع. تلك المرحلة أعادت ترميم وبناء آلاف المدارس الرسمية في كل المناطق اللبنانية، وأسهمت بكل اعتزاز وراحة ضمير في إعادة بناء الجيش اللبناني والمؤسسات الأمنية الشرعية.
هذا باختصار هو مفهوم الدولة وصورة الازدهار والإعمار لتلك المرحلة، والتي لو قُدّر لها أن تستمر لكان اليوم لبنان منارة حقيقية في هذا الشرق.
أما مفهوم الدويلة اليوم، فـ«حزب الله» هو النموذج. ولن يكون استقرار لبنان وازدهاره إلّا في ظل الدولة وحصرية سلاحها. وللحديث صلة.