Site icon IMLebanon

دولة الأسد: لصوص وقطاع طرق

ظهرت مؤخراً تقارير في الصحافة الأجنبية تسلط الضوء على الفوضى الحاصلة داخل بنية ما يسمى» نظام» الأسد، وذلك من خلال تحليل هيكلية هذه البنية ونوعية الأشخاص الذين يسيطرون على مفاصلها، وطبيعة العلاقات التي تحكم مكوناتها، فضلاً عن الديناميات التشغيلية ذات الطابع المافياوي التي تسيّر تلك المكونات.

تخلص تلك التقارير إلى نتائج موّحدة وهي الإقرار بانهيار مؤسسة الدولة في سورية، ليس نتيجة حرب النظام مع الثوار بشكل مباشر، وإنما جراء الفوضى التي تدير بها منظومة الأسد هذه الحرب وسيطرة أمراء الحرب التابعين لهذه المنظومة على الموارد والإمكانيات والأساليب التي تستخدمها في تهميش سلطة المؤسسات وإلغائها نهائياً.

الواقع أن هذه القراءات، لواقع النظام والتي تركز على الواقع الداخلي، اكثر من اهتمامها بطبيعة الصراع الجيوسياسي كعنوان أبرز للصراع طالما ركّز عليه الإعلام الغربي، هي بمثابة إقرارات متأخرة لواقع تشكّل واستقر منذ زمن بعيد، ولا شك أن تأخر صدورها حتى هذا الوقت ربما له دوافع سياسية تتعلق بظهور تيار سياسي في الغرب يعتقد أن الحفاظ على مؤسسات الدولة والنظام في سورية شعار يبرر للغرب الذي تقاعس عن التدخل وصمته حيال جرائم منظومة الأسد، وبخاصة بعد حادثة الكيماوي الشهيرة التي وضعت الغرب على المحك وإعلان أميركا وبريطانيا صراحة أنهما غير معنيتين بما يجري في سورية.

قبل ذلك التاريخ بكثير كان نظام الأسد قد دخل في حالة الفوضى العارمة وذلك من خلال قيامه بجملة من الإجراءات التي اعتقد انها ستنقذه من السقوط، لكنه لم يدرس بما فيه الكفاية تداعيات تلك الإجراءات على سلطته وبنيته، وربما فعل ذلك بوعي وقصدية، ذلك ان الهدف من سياساته كان الانتقام من السوريين وقد شكّل هذا الأمر المحفّز والدافع الأساسي لكل إجراءاته، والتي تمثلت اهمها:

– تأسيس العديد من الميليشيات ومحاولة إدماجها ضمن هيكليته للقضاء على الثورة» الشبيحة، قوات الدفاع الوطني، الأمن الذاتي» وقد جرى تشكيل هذه المكونات بشكل عشوائي بالإضافة إلى حقيقة ان عناصرها في الأغلب هم من المجرمين وأصحاب السوابق.

– إسقاط القانون عبر السماح لعناصر هذه الميليشيات باتخاذ القرار المناسب من دون الالتزام بحدود أو ضوابط، بما يعني ذلك منحها سلطة القيام بالإعدام وتدمير الحواضر وسرقة ما يحلو لها، وقد جرى هذا الأمر على قاعدة « قدّر أنت واتخذ القرار»، بل أن الجزء الأكبر من المخالفات كان يصدر بأمر رسمي من رأس النظام مباشرة بهدف إرهاب الناس ودفعهم للهرب من سورية، أو لإرضاء الميليشيات وتحفيزها على الولاء للمنظومة الأم « نظام الأسد».

– منح الميليشيات الآتية من لبنان والعراق وأفغانستان إقطاعات تديرها على الأرض السورية وتمارس عليها سلطاتها وإدارتها بالإسلوب الذي يناسبها، وبما أن تلك الميليشيات لا تعمل من منطلقات وطنية وإنما على أساس الاسترزاق بالدرجة الأولى، فمن الطبيعي ان تأتي ممارساتها على شاكلة العقيدة التي تسيرها، من هنا إشتهر حزب الله مثلاً باعمال السمسرة والوساطة عبر قيامه باستصدار الأوراق الرسمية مثل جوازات السفر والتكفّل بتهريب الشباب مقابل مبالغ مالية ضخمة، وزراعة المناطق التي يحتلها في القلمون بأصناف الحشيش التي يشتهر الحزب بتجارتها.

لقد ساهمت هذه السياسات بصناعة شبكة فوضوية من الميليشيات والعصابات على كامل المساحة الجغرافية التي تسيطر عليها منظومة الأسد، وتحولت تلك المنظومة إلى هيكل يضم قوى لصوصية متحالفة من أجل الحصول على أكبر قدر من الموارد والحصص، بل أن تلك العصابات لم تكتف بالسيطرة على الطرق ومواقع الثروة وإنما أصبح لها ممثلون سياسيون في العاصمة دمشق عبر إيصالهم للبرلمان الذي جرت إنتخاباته الصورية في العام الماضي، إذ تؤكد دراسة السير الذاتية لأغلب الذين جرى إيصالهم للبرلمان انهم من المجرمين والمهربين، بما يعكس واقع الدولة السورية في نسختها الأخيرة وهي عبارة عن تحالف بين اللصوص وقطاع الطرق.

لا تلتقي هذه الميليشيات على هدف محدّد سوى إستمرار الحرب لأطول وقت ممكن، وأنه يستحيل تصوّر أن تسمح هذه الميليشيات بوجود دولة حقيقية ومؤسسات قي سورية، حتى لو كانت تحت سلطة الأسد نفسه، وكل الشعارات التي يجري رفعها لشرعنة عمل تلك الميليشيات والعصابات، من نوع الحفاظ على جبهة المقاومة، ليست أكثر من تبريرات مصلحية، ذلك ان تلك الجماعات تريد إستمرار الفوضى في سورية وترغب في إستمرار بقائها كمنصة لكل الافعال ذات الطابع الجرمي طالما هي لا تتعرض للمساءلة والحساب.

وقد شجعت إيران هذه الظاهرة في سورية ودعمتها بقوة، ذلك انه من خلالها تستطيع صناعة البنى التي تناسبها وكذلك إضعاف الأمن القومي العربي عبر تحويل سورية إلى مكان للفوضى وساحة لصناعة الميليشيات التي من شأنها تهديد الدول العربية المجاورة لسورية، كما أن روسيا، بوصفها طرفاً له تأثير في سورية، إستغلت هذه الحالة الفوضوية للقيام بممارسات لا تختلف كثيراً عن سلوك تلك الميليشيات، من خلالها زجها بآلاف المرتزقة في الميدان وتدريبهم على الأعمال الوحشية، فضلاً عن تجريب مختلف صنوف أسلحتها من البندقية إلى الصاروخ البعيد المدى على اجساد السوريين، ولم يكن مستغرباً وجود بند في اتفاق تأسيس قاعدة حميميم ينص على عدم محاسبة الجنود الروس على الأعمال التي يرتكبونها في سورية.

والحال ان الحل في سورية لم يعد ممكناً فقط في إزاحة بشار الأسد عن السلطة، بل بنزول قوات أممية للقضاء على شبكات الإجرام المنتشرة في سورية وتفكيكها لما تشكّله من خطورة ليس على سورية وحسب بل وعلى الأمن العالمي كله في المدى المنظور، وضروروة مغادرة الشعار الزائف الذي يقول بالمحافظة على مؤسسات الدولة السورية، إذا كانت تلك المؤسسات ليست سوى واجهات للصوص وقطاع الطرق.