حذّر أطباء تجميل من البوتوكس المزوّر، مع نفاد البضاعة الأصلية، بسبب تدنّي قيمة العملة الوطنية وإرتفاع سعر صرف الدولار، ما فتح السوق أمام سلعة مشابهة مزوّرة مستوردة من الصين، لها تأثيراتها السلبية على الراغبات والراغبين في مزيد من الجمال الخارجي. وأوصى أحد هؤلاء الأطباء بـ”الرَكّ على الجمال الداخلي”.
في الأزمة اللبنانية، المعضلة هي ذاتها، وإن اختلفت المصطلحات، وتحديداً لجهة “الجمال الداخلي”، فهو مفقود، ولن ينتجه التحذير الدولي المستمرّ من النقص الحادّ في البوتوكس السياسي الأصلي. إذ إنّ فطاحل هذه المنظومة لا يكترثون، على ما يبدو، بالتحذير. فهم لا يستخدمون إلا السلع المزوَّرَة، ولا يتّخذون إلا المواقف المزوِّرة لمصلحة اللبنانيين.
وهم كالتماسيح لا يتأثّرون بالمضاعفات السلبية التي تفتك بجسد الدولة والمؤسّسات والدستور والصحّة الجسدية والنفسية والإقتصادية للشعب اللبناني. وكأنّهم يستمتعون وهم يبتدعون الأزمات، ويتفنّنون في التعطيل، ويتفرّجون على تفاقم تداعيات ما يقترفون وما يتسبّبون به من إلتهابات وعاهات دائمة في مسيرة هذا الوطن المنكوب بسيرة قامات، تحكي عن حالها بأنّها وطنية وتاريخية.
وعلى سبيل المثال، هناك من يدّعي أنّنا نعيش في دولتين: الأولى دستورية، والثانية هي الدولة العميقة التي يترأسها أسياد الفساد، ولا يستطيع الرئيس القويّ شيئاً حِيالها. لذا يكتفي بالأولى، لأنّه يأنف من كل ما هو مزوّر وفاسد ومغشوش.. بالتالي، لا مسؤولية تقع عليه جرّاء كل ما تنتجه تلك الدولة العميقة التي لا يمون عليها.
ويتجاهل صاحب هذه النظرية العبقرية أنّ لا وجود إلا لدولة عميقة، ولا لزوم لغيرها لأنّها تناسب الحاكم الفعلي الذي يحرّك خيوط فساد فطاحل المنظومة الحالية.
ومن يحاول التشاطر وينفخ حضوره ببوتوكس مزوّر، لا ينتج إلا المواقف الدونكيشوتية الركيكة، يعيش وهم صلاحية إستمراريته، لأنّ الحاجة إليه لم تنتفِ حتّى تاريخه. وعندما ينتهي دوره، لكلّ حادث حديث.
وفي حين يجيد الأطباء التمييز بين المزوّر والأصلي في جمهورية البوتوكس التجميلي، يبدو ضبابياً وضع البوتوكس السياسي في الجمهورية اللبنانية.
ذلك أنّ الحاكم بأمره يتفرّج على فطاحل المنظومة، وكلّ منهم ينادي على بضاعته بأنّها الأجود والأنظف، والأكثر أصالةً ومطابقةً لمواصفات النزاهة والشفافية والطهارة، وبضاعة الآخرين هي المغشوشة والمزوّرة وسبب الويلات التي تلِّم بهذا الوطن المنكوب تباعاً.
ولا لزوم للتوقّف عند مقادير الكذب والتذاكي والتحايل لدى هؤلاء في الترويج لسلعهم السياسية، والذمِّ بما يروِّجه منافسوهم. فالبضاعة واحدة لدى الجميع، حتّى لو تنوّعت العلامات التجارية التي يبتدعونها.
وهذا ما يجهله، ربّما، الوسطاء الحالمون بإحداث معجزات، من خلال جهودهم لإتمام عمليّاتهم الإنقاذية. مشكلتهم أنّهم لا يزالون يراهنون على نجاح أي عملية يجريها المجرَّبون المخرِّبون ليعوِّموا أنفسهم وحياتهم السياسية بالبوتوكس المزوّر. ولا أمل لأيّ مبادرة أو خريطة طريق بالنجاة من سموم شياطين الدولة العميقة التي لا وجود لغيرها.
ويا لخيبة آمال هؤلاء الوسطاء والمستشارين في ختام جولاتهم المكّوكية بين بيروت وباريس، عندما يضطرّون الى إنهاء تقاريرهم بعبارة: “العملية نجحت، لكن المريض مات”.