إنجاز الاتفاق النووي بين إيران والدول الست الكبرى المتوقع أواخر حزيران (يونيو) المقبل، سيكون محطة أساسية في تحوّل صورة إيران، خصوصاً في محيطها العربي والآسيوي. ولم يتصاعد اعتراض المحافظين في طهران بقدر ما توقّع مراقبون، رأوا في الاتفاق بحد ذاته ضربة سياسية للمحافظين ودعماً لتيار إصلاحي تتلاءم لغته السياسية مع الانفتاح على العالم، والنهوض بالاقتصاد المتهاوي، ورفع مستوى معيشة المواطنين المتراجع في العقد الأخير نتيجة عزل إيران وانعزالها.
لن يستطيع المحافظون منع توقيع الاتفاق على رغم صلتهم الوثيقة بمرشد الثورة السيد علي خامنئي، وهم فوجئوا بموقفه الإيجابي حينما اعتبر الاتفاق انتصاراً للثورة حصلت عليه نتيجة صبر سياسي. ويعزو المراقبون حماسة خامنئي إلى شعوره بأن الثورة الإيرانية آيلة إلى التراجع وربما إلى السقوط، إذا استمرت معاندة المحافظين وضربهم عرض الحائط بمشاعر غالبية المواطنين ومطالبهم بالعيش الكريم ولو في الحدّ الأدنى. كم كان لافتاً المشهد الاحتفالي في استقبال وزير الخارجية محمد جواد ظريف العائد من سويسرا بعد توقيعه الاتفاق – الإطار، إذ تميز بالانطلاق والفرح وخلا من شعارات الغضب، وفي مقدّمها «الموت لأمريكا».
موافقة خامنئي على الاتفاق تهدف في ما تهدف إلى الحفاظ على الثورة، لكن مسار ما بعد الاتفاق سيعزّز الدولة على حساب هذه الثورة، وستجد السلطة الإيرانية نفسها أمام أولويات النهوض الاقتصادي والاجتماعي في الداخل والانفتاح على العالم في ما يتعدى تشدُّد الإيديولوجيا الدينية الحاكمة، وستكون السلطة محكومة بمصالح الشعب الإيراني الذي يدعمها أو يخلعها بالانتخابات، في أجواء ستكون بالضرورة أكثر حرية من سالفاتها، خصوصاً في عهد محمود أحمدي نجاد.
ليست الثورة الإيرانية خالدة ولا أي ثورة أخرى، فللثورات أعمار تنتهي بأشكال مختلفة، فقد تذوي مثل زهرة انقطع عنها ماء الحياة، أو تقتلعها الدولة من جذورها حين تتحوّل إلى شوكة تعيق حركة المواطنين أو تؤلمهم.
وشعار «الحياة لإيران» الذي سيُرفع، لن يتلاءم مع شعار «الموت لأمريكا»، فأن يطلب الإيرانيون الحياة لهم يعني أن يطلبوها أيضاً للشعوب الأخرى، في سياق علاقات سلمية تراعي المصالح وتعالج المشكلات بالحوار لا باللعنات أو بالحروب. وبالنسبة إلى إيران، فالشعوب الأحق بالسلام من غيرها هي شعوب الجوار، خصوصاً العرب.
لا مهرب من طيّ صفحة الثورة لمصلحة الدولة في إيران، ونقطة التحوّل هي الاتفاق النووي. وعند السؤال عن طبيعة الدولة المقبلة، فهي لن تكون بالضرورة انقلابية، إذ يبقى لرجال الدين المحل الأبرز في الحكم الإيراني في المدى المنظور. هنا، نذكر المكانة الخاصة التي شغلها هؤلاء في عهد الشاه محمد رضا بهلوي، فقد نجا الخميني من السجن عندما منحه آية الله كاظم شريعتمداري رتبة «آية الله»، لأن حامل هذه الرتبة لا يُسجن في إيران، أياً كانت التهمة الموجّهة إليه.
وبعيداً من شريعتمداري والخميني، يبدو الحوار بين الرئيسين الإيراني حسن روحاني والتركي رجب طيب أردوغان الذي يزور طهران، حوار مصالح بين دولتين، على رغم كونهما خاضعتين لطبقة سياسية تعتمد في حكمها الإسلام السياسي.