IMLebanon

من مخازي دولة المزرعة؟!

لا بد من الاعتراف بأن الدولة اللبنانية، كوزارات وادارات ومؤسسات عامة، التي تشكل الهيكلية الأساسية المولجة بادارة شؤون البلاد والعباد، لم تقم منذ الاستقلال في العام 1943، على الاسس الصحيحة التي تقوم عليها عادة الدول التي تضبط عملها وحركتها على النزاهة والشفافية وحفظ مصالح الناس والاموال العامة، الأمر الذي لم يحترمه تماماً العهد الاستقلالي الاول، فأطاح فساد حاشية الرئيس بشاره الخوري، ولايته الثانية في منتصفها، على أثر انتفاضة شعبية سلمية، ما يؤكد ان الشعب في تلك الايام كان اقوى من الفساد والفاسدين، وتعاقبت بعدها العهود الرئاسية، وتعاقب معها الفساد الخجول احياناً والوقح احياناً اخرى، الى ان وصلنا الى الحرب الاهلية، وبدء ضعف الدولة، وتحوّلها شيئاً فشيئاً الى شبه مزرعة، الى ان وضعت الحرب اوزارها بفضل اتفاق الطائف، وبدأت مرحلة جديدة من تمدد المزرعة، واتّساع رقعة عملها وانتاجها، لتتمكن من اشباع جوع نظام «الوصاية» على لبنان، وشركائه المحليين، الذين تحوّلوا من «أكلة الجبنة» كما كان يسمّيهم الرئيس العماد فؤاد شهاب الى أكلة لحوم اللبنانيين وحقوقهم واموالهم، واستمر الحال على هذا المنوال الى ما بعد اغتيال رئيس الحكومة رفيق الحريري، وانتفاضة 14 آذار 2005، وسقوط حكومة عمر كرامي وانسحاب الوصي السوري من لبنان، وعجز اول حكومة سيادية برئاسة فؤاد السنيورة عن استغلال الزخم الشعبي الكبير للانتفاضة، والقيام بحركة اصلاحية شاملة في الدولة ومؤسساتها ومرافقها العامة الممسوكة من أكلة لحوم اللبنانيين، وكان هذا العجز، السقطة الاولى التي لحقها سقطات اخرى، شعر بعدها الفساد واهله، انهما بخير وان تسونامي 14 آذار فقد زخمه، وان الطريق الى المال العام، سالكة وآمنة.

* * *

لماذا هذا الكلام الآن، والبلد يعيش ازمة وجود او عدم وجود؟!والجواب ان الفاسدين والمفسدين واصحاب الايدي الطويلة، والحسابات المضمرة، هم الذين اوصلوا البلد الى هذا «المهوار» مستغلّين ضعف شخصية البعض وخوفهم وترددهم وسوء تدبيرهم وتراجعهم غير المبرر، عندما يدعو الأمر ان يقدموا، وهؤلاء لا حياة لهم ولا وجود في ظل الهدوء والاستقرار والدولة القوية، وينتعشون بوجود الفراغ وغياب الرقابة الحكومية والمجلسية والمؤسسات المعنية، وهؤلاء لا يعنيهم في شيء ان يكون 300 الف لبناني تحت خط الفقر، وهناك عدد بهذا القدر او اكثر على خط الفقر، وهناك طبقة متوسطة تقترب من خط الفقر لترسو عليه موقتاً قبل ان تتدحرج الى تحته، ولأن مجلس النواب سيفتح اليوم صناديق الخزينة امام موظفين فاسدين يملكون الملايين، ولأن هناك «اساتذة» رسميين سوف يحصلون على زيادات وهم لا يعرفون طريقاً لمدرسة، ولأن مستشارين محسوبين على وزراء يقبضون رواتب «تنفيعة»، ولأن هناك وزراء يمارسون الفساد الطائفي والمذهبي والسياسي، في كيفية توزيع اموال الشعب على المناطق، على قاعدة ان هناك مناطق بسمنة ومناطق بزيت، ولأن هناك خلايا حزبية في العديد من الوزارات والادارات تمارس بدورها ذات انواع الفساد التي يمارسها بعض الوزراء، والأخطر من كل هذا ان هذا الفساد القاتل يضغط بقوة على نموّ الاقتصاد المتراجع الى ما تحت الصفر، وعلى العملة الوطنية، المهددة بالانهيار امام العملات الاجنبية، والمطلوب من حاكم مصرف لبنان رياض سلامه، المعروف بحكمته وقدرته ووطنيته، ان يصارح اللبنانيين بالوضع الحقيقي، حتى لا يستيقظوا يوماً، انهم اصبحوا على «الحديدة».

من دولة مزرعة، الى دولة حارة كل من إيدو إلو، الى دولة يحاول الفساد ان يحوّلها الى عاهرة، تدفع بدلاً من ان تقبض.