لو خُيّل لمؤسس العقيدة البعثية ميشال عفلق في العام 1947، أن الحزب الذي أسّسه سيصل إلى ما وصل إليه لربما تنصل من كل “البعثيين”.
ولو علم أنطون سعادة بما آل إليه الحزب “السوري القومي الإجتماعي” لربما أصيب بالصدمة. هذان الحزبان، وقبل أن يمسك بهما “حزب الله”، لا يؤمنان بنهائية لبنان. الأول خليط أيديولوجي من القومية العربية والإشتراكية ومعاداة الإمبريالية، والثاني يدعو إلى “الأمة السورية” التي تشمل منطقة “الهلال الخصيب”.
“القومي” و”البعث” ليسا الحزبين الوحيدين غير اللبنانيين إذ ينضم إليهما عدد من الأحزاب والحركات وبتراخيص من الحكومة اللبنانية تحت شعارات القومية والعروبة والناصرية ومحاربة الصهيونية، لكنّهما الأبرز على الرغم من قلة مناصريهما، ويحظيان بتمويل ممانع. وهنا بيت القصيد! فالأمين العام لحزب “البعث العربي” في لبنان علي حجازي تباهى في مطلع حرب غزة بتسلّح حزبه، ولا يتوانى عن إظهار عسكرة حزب “البعث” ودوره في ما يسمّيه مقاومة إسرائيل. وكذلك الحزب “القومي السوري” بجناحيه ومع أذرعهما الأمنية الداخلية، ومقاتليهما في صفوف سرايا المقاومة.
هذان الحزبان لا يخفيان حقيقة أن سلاحهما وأموالهما مصدرها محور الممانعة الذي يرأسه “حزب الله” محلياً وإيران على مستوى المنطقة. “حزب الله” بدوره لا يعترف بنهائية لبنان، وبحسب أدبياته هو “المقاومة الإسلامية في لبنان”، أي أن هذه “المقاومة الإسلامية” هي نفسها في العراق وفي اليمن وفي العديد من دول المنطقة، وعلى عكس “البعث” و”القومي” فلا وجود للعروبة ولـ”سوريا الكبرى” في عقيدته، لكنّه يموّلهما ويدعمهما.
لقد توافق “حزب الله” والبعث والقومي على أمرين، لانهائية الكيان اللبناني، ومواجهة إسرائيل بحسب مصالح إيران والنظام السوري. وفي تفصيل أدق، سخَّر “القوميون الجدد” شعاراتهم لدعم النظام السوري الذي نكَّل برفاقهم في الستينات والسبعينات من القرن الماضي. ورضخ البعثيون مرغمين لسياسة الأطماع الفارسية في بلدان المشرق العربي. ففي سوريا تحولت الأحزاب العلمانية واجهة فولكلورية يستفيد منها النظام، وفي لبنان تولى “حزب الله” تصفية “الحزب الشيوعي” الذي حاول أن يحتفظ باستقلالية معينة في السياسة وفي العمليات ضد إسرائيل في الجنوب. أما مع بقية الفصائل والناصرية وما شابهها فاعتمد “حزب الله” الترهيب.
هذا ما ساد في زمن اختطاف الدولة من قبل الدويلة، وتراكم على مدى أكثر من أربعين عاماً، وعجز اللبنانيون الأحرار من مسلمين ومسيحيين عن تغيير هذا الواقع. فمن عارض الحزب والنظام السوري أُعدم سياسياً أو إعلامياً أو حتى جسدياً، ومن لم يُعارض ركب موكب التطبيل للممانعين. أما اليوم ومع انطلاق مسار عودة الدولة إلى الوطن، وبعد اقتناع كثيرين من الذين ضُللوا بالمال والنفوذ وبقوى الأمر الواقع بخطورة ما وصلنا اليه، بات واجباً إعادة النظر بهذه الأحزاب وحظرها لبنانياً، لأنها تخالف قواعد الدستور وتشكل سياسياً وقانونياً نوعاً من الخيانة الوطنية.