مع تمدّد الأزمات الآتية من الخارج والتي تتلاقى مع ارادة ثاقبة في الداخل، ظهر جلياً أنّ النصوص الدستورية والقانونية باتت مجمَّدة التطبيق، بعدما أطاحت السياسة «الضيقة» بما تبقى من مكوّنات تنظيمية للدولة.
فالمادة ٤٩ من الدستور أيْ القانون الاسمى والتي تُحدّد اطار وحيثيّة انتخاب رئيس الجمهورية قد أخضعت ولمّا تزل لاجتهادات طاولت كلّ روحيتها ومآلها بحيث ضاعت وغاصت التفسيرات بين نصاب الثُلثين ونصاب النصف زائداً واحداً.
ثمّ أُثقلت المادة عينها بموضوع «الميثاقية» الجدير بالبحث، ولكنه يطرح علامة استفهام كبرى حول أولية الديموقراطية الميثاقية على تلك الدستورية، وما هي النتائج التي ستأتي بها على الصعيدين الدستوري لجهة عمل المؤسسات والسياسي لناحية تواصل القوى السياسية وتقبلها للخسارة او التراجع في بعض الأحيان وفق ما تقتضيه قواعد اللعبة الديموقراطية ولو بحدودها الدنيا؟
أمّا القوانين فتعيش أزمة «التعليق» المقَنَّع بحيث خرج بعض الساسة عندنا عن منطوق القواعد التي تنظم عمل المؤسسات وأسس اتخاذ القرارات في مجلس الوزراء وكيفية ممارسة الوزير لمهامه بوجود رئيس للدولة أو في فترة خلوّ سدة الرئاسة كالتي نعيش، حيث يمارس مجلس الوزراء «وكالة» صلاحيات الرئيس ولكنه في كلّ الأحوال لم يمنح الدستور لكلّ وزير الصلاحية الدستورية الممنوحة للرئيس وإلّا أضحينا في وضعية غير منطقية تناقض روحية النصوص بكلّ محتواها.
القوانين المعلّقة تسود الواقع الحالي بعدما اهتزت وتهز المقوّمات الأساسية للدولة مع «تغييب» الرئاسة الى أن يقضي المقضي، ومع التلاعب بكلّ النصوص وهذا ما يجعلنا امام مخاطر جمهورية بلا ضوابط تنتظر الايحاءات والتسويات.
والأخطر أنّ الموضوع ومع انقضاء العام، سيؤدي في ما سيؤدي الى اعادة نظر المؤسسات الدولية الناظمة والمصنّفة في موضوع التصنيف الائتمائي للبنان، إذ إنّ المطلوب اقرار تشريعات حديثة تواكب تطورات القوانين والأنظمة الدولية المتعلقة بتمويل الإرهاب وتبييض الأموال ونقل الأموال عبر الحدود، ومدى عمل وصلاحية اللجان والهيئات المولجة متابعة الموضوع في لبنان.
وفي حال استمرّ مجلس النواب معطّلاً عن التشريع، بعدما تعطّل دوره الإنتخابي فإنّ أسعار الفائدة ستتحرّك وتجعل الدولة السائرة على غير الخط السواء في الاقتصاد، تدفع فوائد تقدّر بأضعاف ما تدفعه اليوم خدمة لديونها المتراكمة في الداخل والخارج في حال تراجع التصنيف الائتماني ولم يُستدرك الوضع قبل الوصول الى نقطة حرجة على هذا الصعيد.
أمّا قانون الإنتخاب فتتجاذبه السياسة من دون أن يسلك طريق البرلمان نحو درس واقرار، اذ إنه بدوره ينتظر «الوحي» الآتي من خارج الحدود. أمّا قوانين اللامركزية وسواها فهي باقية ضمن خانة التمنيات لأنّ القوانين معلّقة التنفيذ، فكم بالحري تلك التي لم تُقرّ.