نسمع ونقرأ يومياً عن استراتيجيات عدّة لتسديد العجز المتراكم، لكن الهدف الأساس هو توزيع الخسائر. حينما نتحدث عن خسائر، هناك تحديد المسؤول المباشر عنها، ونذكّر أنها نتيجة وليست سبباً.
بحسب مرصد البنك الدولي، وكل تقارير صندوق النقد الدولي، والتي توالت في السنوات الأخيرة، ووفق التقرير الجنائي الذي أصدرته أخيراً شركة «ألفاريس آند مارسال» (Alvarez & Marsal) للتدقيق المالي الدولي، إن الخسائر الجارية قد تحدّدت بنحو 70 مليار دولار. علماً أن هذا الرقم الأخير يُكوّن كل العجز في المالية العامة الذي تراكم منذ العقود الأخيرة، وهذا الرقم المخيف، لا يضم أموال وإستثمارات المؤتمرات المانحة والتي إنعقدت من أجل لبنان مثل باريس (1 و2 و3) وغيرها. فبالحقيقة إن الخسائر أو بالأحرى السرقات والنهب، تزيد بأكثر من مئات المليارات.
بعدما توقفت كل مصادر التمويل، ونُهب الشعب، وسُرق المجتمع الدولي ومساعداته، وإنهارت مؤسسات الدولة والبنى التحتية، وتبخّرت كل أموال إعادة هيكلتها، إستيقظت الدولة اللبنانية، وتريد اليوم أن توزع خسائر الـ 70 مليار دولار على الشعب المنهوب والإقتصاد المدمر، كأن شيئاً لم يكن.
نُذكّر ونشدّد على أن الدولة اللبنانية والسياسيين هم المسؤولون المباشرون عن هذه الخسائر، ولا سيما من أكبر عملية نهب في تاريخ العالم. فاليوم، وبكل وقاحة تتحدث الدولة عن توزيع الخسائر والتي هي المسؤولة عنها، بسوء إدارتها، وتسديد العجز المتراكم بفرض ضرائب عشوائية على الشعب المذلول والمنهوب.
كأن الدولة ذاتها تريد طي صفحتها السوداء، وطمر رأسها في التراب، كأنه لم يحصل شي، وتريد العفو عمّا مضى، وتبحث عن عمليات جديدة، لإستكمال عملية النهب، وتحفيز الإنهيار المالي والنقدي، وتشجيع الفساد المستشري. وفي العناوين الوهمية والكاذبة، أمام صندوق النقد والمجتمع الدولي، تريد تسديد العجز بإعادة السياسة الضريبية، وتوزيع الخسائر على ما تبقّى من مودعين، من دون أن تتحمّل أيّ مسؤولية.
إن الضرائب التي تُفرض على الشعب اليوم، هي تكملة لعملية الإغتيال والنهب والسرقة، بطريقة رسمية، عوضاً عن الإعتذار وإعادة جزء ضئيل ممّا سرقته من الشعب.
إن هذه الضرائب التي هي أيضاً مفروضة على الإقتصاد الأبيض وعلى الشركات الشفّافة، والتي تتبع الحوكمة الدولية الرشيدة، تهدّد مما تبقى من المستثمرين والرياديين والمبتكرين، وتخلق وتجذب جيلاً جديداً من المبيضين والمهربين والمروجين.
نذكّر بأن خبرتنا في هذا البلد، وتاريخنا المظلم، علّمنا وأظهرَ لنا بأن زيادة الضرائب في لبنان تعني طعن الإقتصاد الأبيض وتحفيز الإقتصاد الأسود. وتعني أيضاً انخفاضاً بمداخيل الدولة، وزيادة التهريب. إنّ هذه السياسة الضريبية العشوائية الجديدة تهدف إلى القضاء على الضحايا وتكملة سلسلة الإغتيالات المالية والنقدية، حيال الشعب والشركات للقضاء عليهم أو تهريبهم نهائياً من أرضهم الأم.
في المحصّلة، إن عبارة توزيع الخسائر مرفوضة، وعلينا أن نستبدلها بتوزيع وتكملة النهب والسرقة على الشعب. فالمسؤول عن هذه الخسائر وهذا الإنهيار عوضاً أن يكون المحكوم، هو الحَكَم والقاضي وهو الذي يعد بالإصلاحات، ويُطالب بالشفافية وإعادة الهيكلة والنمو، وهو بالحقيقة الجلاّد والمجرم الذي يتبع إستراتيجية التدمير الذاتي، وتكملة خطته للنهب والسرقة.