IMLebanon

دولة مرتزقة للإيجار

 

لم يحدث في تاريخ الولايات المتحدّة الأميركيّة أن حوّلها واحد من رؤسائها إلى «قوّة للإيجار»، دونالد ترامب كنموذج رئاسي مثير للإحتقار والإشمئزاز، وهو بالتأكيد مختلف عن «رجال المال والأعمال»، هو أقرب إلى «بلطجي» أو «فتوّة» هارب من حكايا الروائي نجيب محفوظ، شيء يشبه فتوات «الحرافيش» أو «التوت والنبّوت»، أو شخصيات «بلطجيّة» الراقصات و»الكباريهات»في الأفلام، غالباً تشعر عندما يتكلّم ترامب أنّه «قاتل مأجور»، يؤكّد مرّة بعد الأخرى أنّه يطالب بدفع «الأتاوة» لأميركا مقابل «الحماية» الموهومة!

 

بصرف النّظر عمّا إذا كنّا نصدّق المقولات الأميركيّة التي استخدمها كثير من الرؤساء الأميركيّين عن «الحلم الأميركي» أو «الديمقراطية الأميركيّة» أو «الحرية» أو حتى شعار «نثق في الله»، حتى جورج بوش الإبن الرئيس الأغبى في تاريخ أميركا، سوّق وهو قمّة إجرامه في المنطقة وزرعه للفوضى الخلّاقة لصورة أميركا تحت عنوان «نشر الديمقراطيّة»، بالأمس كرّر دونالد ترامب عبر تغريدة على تويتر لجملة واحدة ادّعى أنه قالها لقادة العالم وطالبهم بدفع الأموال لأميركا، وأوهم شعبه أنّه أنجز الكثير في باريس!

 

عمليّاً خديعة شراء تأمين الحماية للدّول مثيرة للسخرية، يستطيع أياً كان أن يطرح السؤال، أي حماية أمّنتها أميركا وترامب لدول الخليج؟ أو حتى للسعوديّة التي أنفقت منذ مجيء ترامب إلى الحكم مبالغ خرافيّة في الصفقات مع أميركا من غير أن يلمس أحد وجه الحماية التي أمّنتها لها أميركا، أكثر من تصريحات ترامب التي تتغيّر عشرات المرّات في يوم واحد!

 

مثير للاشمئزاز وقبيح جداً وجه «عبادة المال» الذي اعتمده ترامب لأميركا، وبالرّغم من أنّ هذا هو وجه أميركا الحقيقي كدولة ناهبة لثروات الشعوب، إلا أنّ هذا الوجه لم يكن «مفضوحاً» إلى هذا الحدّ، كانت ديبلوماسيّة ما تغلّفه بعناوين برّاقة، لم يكن وجهاً تقطر منه الصفاقة إلى هذا الحدّ، الدولة العظمى التي تصنّف نفسها قائدة للعالم، تلبس وجه «المرتزقة»، ولا يتحدّث رئيسها بلغة رئيس دولة بل بلغة الشركات الأمنية المستأجرة حول العالم، وأقربها نموذج بلاك ووتر الأميركية!

 

 

الأمر الأسوأ من «الفتوّة البلطجي» دونالد ترامب، هي الدول العربيّة التي «تنخّ» لادّعاءات ترامب المتوحشة لنهب ثروات شعوبها وأموالها، مصدّقة أنّ دولة مثل أميركا قد تتورّط في حروب بالنيابة عن الدول التي تدفع لها مليارات المليارات في صفقات تسلّح لن تحميها!

 

بالتأكيد سياسة «البلطجة» الأميركيّة قائمة قبل دونالد ترامب وستبقى قائمة بعد دونالد ترامب، هذه البلطجة ورثتها أميركا من دول المستعمرات الأوروبية من فرنسا إلى بريطانيا إلى إسبانيا، هذه الميزة فقدتها دول أوروبا الكبرى التي شاهدناها تحتفل بالأمس بذكرى مئة عام على إعلان وقف إطلاق النّار لإنهاء الحرب العالميّة الأولى التي خيضت أساساً لهدفين لا ثالث لهما، ضرب الخلافة العثمانيّة واقتسام أراضيها الممتدة بمعناها ورمزيتها كخلافة إسلاميّة، ولتمكين اليهود من الانتقال إلى فلسطين وطرد شعبها منها تمهيداً لإقامة دولتهم، أميركا وريثة أوروبا في البلطجة واحتلال الدول، بعسكر وبدون عسكر، وسواء كان العنوان «إنتداب» أم «تأمين الحماية»، العرب اختاروا أن يبقى «رسن» قيادتهم بيد «الفتوّة البلطجي» دونالد ترامب!