هل بالغ كاريكاتير جريدة «الشرق الأوسط» عندما ربط بين الدولة اللبنانية وكذبة نيسان؟
قبل الرد عن هذا السؤال٬ يتعّين أن يكون واضحاً أن المقصود من ذلك الربط٬ لم يكن يعني رمز كرامة اللبنانيين جميعاً٬ أي العلم اللبناني٬ بل الدولة اللبنانية٬ وكان اسمها واضحاً تماماً في الصورة٬ ويتعين بالتالي الافتراض أن الذين اقتحموا مكاتب الصحيفة٬ أساءوا فهم هذا الربط٬ وجاء فهمهم غوغائياً تماماً مثل تصرفهم الكيفي غير المسؤول وغير المقبول٬ الذي تمّثل بالدخول المتسم بالعنف إلى مكاتب الصحيفة٬ ونحن في بلد يرفع راية حرية الإعلام والرأي.
والسؤال: هل كثير القول بأن الدولة اللبنانية باتت مثل كذبة نيسان؟
لا٬ ليس كثيراً على الإطلاق؛ لأن اللبنانيين مفجوعون جميعاً بدولة غائبة عن الوعي٬ وباتت في خبر كان٬ وأيضاً لأن الذين اقتحموا مكاتب «الشرق الأوسط» قالوا ويقولون فيها ما هو أكثر بكثير٬ وأسوأ من كذبة نيسان٬ ولعلها في رأي جميع مواطنيها تقريباً تلك الكذبة التي باتت تتكرر 365 يوماً في السنة!
بماذا لم تصبح هذه الدولة الغائبة المغّيبة كذبة٬ بموضوع النفايات الذي جعل من لبنان مزبلة العالم٬ أو بموضوع الكهرباء أو الماء أو بالفساد المتوحش٬ أو بالمواضيع الوطنية المصيرية٬ ونحن نعيش في بلد بلا سلطة تشريعية٬ وبلا رئيس للجمهورية٬ وبلا سلطة تنفيذية تقريباً٬ ثم أَولم يقْل رئيس الحكومة تمام سلام ُمحقاً إن عندنا نفايات سياسية٬ كما عندنا نفايات منزلية٬ أَولم يسمِع الذين اقتحموا مكاتب الصحيفة هذا الكلام؟ أَولم يقولوا هم في الدولة الفاشلة٬ ويكتبوا على جدران بيروت٬ ما هو أسوأ بكثير من تعبير كذبة نيسان؟
وعندما تقفل قناة «العربية» مكتبها في بيروت٬ وتعلن أن ذلك يأتي حرصاً على سلامة العاملين فيه٬ ويقول السفير السعودي علي عسيري قبل أيام قليلة «نعم لقد تلقينا تحذيرات من أن هناك تهديداً لحياتي أنا شخصياً٬ وهذا لن يِحّد من أداء واجبي الدبلوماسي٬ والقيام بمهامي٬ لتفعيل العلاقات وتنميتها بين السعودية ولبنان»٬ ثم عندما يكون قد أعلن في 17 أغسطس (آب) من العام الماضي٬ أنه كان قد تلقى تهديدات تطوله والسفارة في بيروت٬ ثم عندما تعلق لافتة تسيء إلى السعودية في منطقة جل الديب٬ مباشرة بعد اقتحام مكاتب الصحيفة السعودية٬ هل كثير القول إن الدولة اللبنانية ممتهنة وُمغّيبة٬ إلى درجة باتت معها أشبه بكذبة نيسان؟
قبل السفير عسيري كان سلفه الدكتور عبد العزيز خوجه٬ والسفارة السعودية٬ عرضة لتهديدات قوية عام ٬2007 ولهذا دعونا من «العراضات» الغوغائية بحجة الحرص على مصلحة لبنان الوطنية٬ فالقصة ليست قصة صورة كاريكاتورية٬ بل قصة سياسات تدميرية معروفة٬ تمضي في تهديم مصالح لبنان الذيُغّيبت دولته مع بداية نيسان!