بعدما هزّ الإرهاب مساءَ أمس الأول لبنان مرّة بعد مرّة، نعود إلى استذكار الأيام السود التي ضربت أرضنا وقتلت مواطنينا، ونستذكر الثوابت التي قام عليها لبنان، جمهورية مميّزة في عالمها المشرقي قامت على أنها رسالة حوار وتواصل انطلاقاً من ميثاقه الوطني وروحيّة أبنائه.
هذا الإرهاب المتفلّت الذي يشكل وثاقاً يقضّ المضاجع مستورِداً حرب الأمم في سوريا إلى قلب الوطن، ضارباً محيط بيروت. وهذا يشير بوضوح كلّي الى أنّ جميع اللبنانيين مستهدَفون، والدعوة الى لمّ شمل المؤسسات الدستورية وإعادة الحياة الى القصر الرئاسي وتنشيط مجلسَي الوزراء والنواب وإقرار قانون إنتخاب كحجر زاوية في إعادة ترتيب التوازنات اللبنانية بين المكوّنات والمناطق، بحيث يأتي القانون الإنتخابي كإطار حافظ للتعدّدية وحاضن للعيش الرسالي بمعناه المنتج والإيجابي.
ما حَفِل به الأسبوع الفائت من مواقف متناقضة ومتنافرة يؤكد أنّ نظامنا بات في حاجة الى تحديثٍ وتطوير عبر إعادة قراءة وكتابة بعض النصوص الدستورية لكي تشكّل إطاراً قانونياً واضحاً لحلّ الأزمات والنزاعات حول النصّ الدستوري وروحه، بحيث نعود الى النصّ كمرجع قادر على إبراز المخارج والحلول في حالات التنافر الوطني والتشنّجات السياسية وتعطّل لغة التواصل والنقاش.
تبيّن الأيام الفائتة ما لا يحتاج الى تبيان. دولة معطَّلة الآليات، موثقة الإرادة السياسية على مستوى اتخاذ القرار وبالسرعة والإنتاجية المطلوبة. إنها أزمات متراكمة تُبرز أنّ النظام الدستوري والسياسي في لبنان يسقط عند كلّ استحقاق ضحيّة التجاذبات والتراكمات وإرسال الرسائل في الداخل والخارج.
وأهمّ ما في نظامنا هو شقه الميثاقي الحاضن الفعلي للتعدّدية اللبنانية الغنيّة بتجربتها وخبراتها المُرَة والإيجابية. والميثاق هو روحٌ قبل أن يكون عُرفاً تحوّل الى بعض النصوص وإن غير مكتملة العناصر والشروط.
والقول المنطقي يعني تبنّي شعار واضح مفاده أنّ لبنان يستفيد من ميثاقه الوطني لإعادة التوازن الى التواصل اللبناني وبغية تخطّي العقبات والخلافات مهما عظُمت، ولكنه يتحوّل الى وثاق جامد للإرادة اللبنانية يوم نضع الديموقراطية الدستورية في مواجهة الميثاقية بدلاً من أن تكون الأخيرة دعامة الأولى.
وكلّ الشكر لمَن تنبّه فأنقذ وضعية لبنان المالية لدى المؤسسات العالمية وأقرّ مشاريع تاريخية مشروعة وأفسح في المجال أمام تسويات أكبر بأطرها ونتائجها.