من المنطقي أن يرتفع منسوب القلق ليصِل الى حد الهلع لدى بعض اللبنانيين. فالفيروس الغامض الذي يشنّ حرباً عالمية على البشرية ما يزال منيعاً على أي علاج أو سلاح مضاد يحدّ من انتشاره.
في نهاية الأمر ستنتصر البشرية، هذه هي دروس التاريخ، لكن في أي مدة زمنية وبأيّ كلفة بشرية؟ هذا هو السؤال الأهم. المنطق يقول انّ “اجتياح” كورونا مستمر للأشهر المقبلة، وإحدى اكثر الفرضيات المتفائلة لا ترى حلولاً بين أيدي الناس قبل نهاية الصيف على أقل تقدير.
وإذا أضفنا الى ذلك الامكانات اللبنانية الذاتية المتواضعة والاستهتار الذي يتعامل به بعض اللبنانيين مع الخطر الموجود، فيصبح مفهوماً الدعوات التي أطلقت من اجل تنفيذ اقصى درجات التشدّد، ومن بينها الدعوة الى إعلان حال الطوارئ بهدف ردع المُستهترين من الناس.
قبل انعقاد الجلسة الاخيرة لمجلس الدفاع الاعلى طلبَ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وكذلك رئيس الحكومة حسان دياب دعوة الوزير السابق ناجي البستاني بصفته المستشار القانوني لوزارة الدفاع الوطني، فالبحث كان محوره التدابير الواجب اتّخاذها للحدّ من انتشار “كورونا”، مع الاشارة انّ البستاني هو مَن وضع قانون الدفاع.
في تلك الجلسة تمّ استعراض التدابير المُمكن اتخاذها للحَد من انتشار الفيروس الخبيث، وتم التوصّل الى قرار إعلان التعبئة العامة وهي أعلى درجات التدابير قبل الوصول الى حال الطوارئ التي لا تُلائم طريقة معالجة الواقع.
ففي حال التعبئة العامة يصبح المواطن معنيّاً وشريكاً الى جانب الدولة. على سبيل المثال وفي بدايات الحرب العالمية الثانية مع اعلان الحرب بين المانيا وفرنسا، عمدت الحكومة الفرنسية الى إعلان التعبئة العامة بهدف إشراك الشعب في مواجهة زحف جيش هتلر.
في الواقع هنالك خَلط لدى كثيرين ما بين حال الطوارئ والتعبئة العامة. ويجب الاقرار بأنّ لبنان يفتقد الى قانون الطوارئ الصحية الموجود لدى دول أخرى مثل الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا.
في الواقع هذا ما يحتاج اليه لبنان، لا حالة الطوارئ العسكرية. ولهذا الامر مبرراته الواضحة. فحال الطوارئ العسكرية ستعني وضع كل القوى الامنية تحت أمرة قيادة الجيش، كذلك وضع كل الواردات في تصرّف قيادة الجيش. اضافة الى ذلك تعليق العمل بعدد من المواد الدستورية والقانونية، وخصوصاً تلك التي تتعلق بالحريات العامة مثل وقف أعمال الاحزاب وإخضاع وسائل الاعلام للرقابة العسكرية ومنع التجول نهائياً لجميع الناس. وقد يكون المنطلق للذين يطالبون بتنفيذ حال الطوارئ هو موضوع منع تنقّل الناس، وعدم حصول تجمّعات وهي الحافز الاساسي لانتشار فيروس كورونا.
في الواقع، إنّ إعلان حال الطوارئ ستعني منع التجول نهائياً واعتقال كل مُخالف لهذا البند، بينما التقييم الفعلي للوضع يتطلّب منع التجمعات وترك مساحات زمنية للناس لكي تتحرك ولكن بمسؤولية لتأمين تَبضّعها وشراء ما تحتاجه من أدوية وأمور مُلحّة.
وفي وضع التعبئة العامة هنالك منع للتجَمهر وليس منع للتجول، كما تفرض حال الطوارئ. قد يكون المطلوب ان تتشدّد القوى الامنية في تنفيذ هذا البند، اي منع التجمهر والاحتكاك، وان تعمد حتى محلّات السوبرماركت الى تنظيم تَنقّل زبائنها والحد قدر الامكان من الاكتظاظ.
وفي التصريح الاخير لوزير الداخلية، تأكيد التشدّد في تطبيق مبدأ منع التجمهر والتجمع، وهو الاساس. أضف الى ذلك انّ مواجهة هذه الحرب الصحية، من الافضل ان تبقى تحت قيادة وزارة الصحة صاحبة الاختصاص الفعلي في ادارة هذه الازمة، تماماً كما تفعل بقية دول العالم. ولا أحد يُخفي قلقه من التدحرج المستمر للاوضاع الصحية، لكن الحلول لا تكمن في وقف عمل الاحزاب والقوى السياسية وفرض الرقابة على وسائل الاعلام، بل ربما بالتشدد في تطبيق الاجراءات ورفع مستوى الوعي عند الناس.
وقيل انّ إجراءات التشدد ستتضاعف، وستصبح اكثر قسوة في حال استمرار الخروقات والتجمّعات الشعبية. وقد يكون من أبرز نقاط ضعف السلطة هو عدم قدرتها على توضيح الصورة امام الناس وعجزها عن تقديم الشروحات المطلوبة، والاهم المكامن السياسية التي تعتمدها والتي تعوق قدرتها على التواصل مع الناس، والاهم ازدياد هوّة فقدان الثقة بين الطبقة السياسية والمواطنين.