ليس خافياً أنّ معالم «اليوم التالي» على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة إنما تتوقف على مجريات المعركة التي تدور حالياً وما ستؤول اليه، لأنّ موازين القوى وحدها ستحدد ملامح المستقبل وستنعكس على المفاوضات التي ستُستأنف بعد وقف إطلاق النار.
على قاعدة الإستعداد لـ«اليوم التالي» في الجنوب، أكد الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، في الخطاب الذي ألقاه لمناسبة ذكرى عاشوراء انه عند توقف العدوان، فإن الجهة التي تُفاوض بإسم لبنان حول مستقبل الجنوب هي الدولة اللبنانية، «وقد أبلغنا كلّ من اتصل بنا أنّ الجهة المعنية بالتفاوض وبإعطاء الأجوبة هي الدولة».
وضمن السياق نفسه، شدّد «السيد» على أن كلّ ما يُشاع عن اتفاق جاهز في ما خص الوضع عند الحدود الجنوبية هو غير صحيح، «بل هناك مسوّدات وأفكار، وهذا متروك للوقت».
ولكن ما هي دلالات تأكيد «الأمين العام» التمسّك بمرجعية الدولة في اي تفاوض و» تفويضه» لها، على الرغم من أن الحزب هو الذي يقاتل على الأرض؟
تكشف اوساط قريبة من «حزب الله» أن موقف «السيد» في هذا الصدد استند الى الركائز الآتية:
– نفي اي فرضية حول حصول او إمكان إجراء مفاوضات مباشرة بين الحزب والاميركيين كما يروّج البعض احياناً. بل حتى الكلام عن مفاوضات غير مباشرة مع واشنطن يعتبره الحزب غير دقيق، «لأن مثل هذا السيناريو يستوجب وجود وسيط حيادي، يكتفي بنقل الأفكار من جهة الى اخرى بينما الرئيس نبيه بري الذي يتولى التفاوض هو طرف مقاوم ومفاوض أصيل في حد ذاته».
– إثبات عدم صحة مقولة ان «حزب الله» يشكل دولة ضمن الدولة ويصادر القرار الرسمي، «واذا كان هو الذي يواجه العدو الاسرائيلي عسكرياً في الميدان ويصنع توازن الردع معه لأنّ الجيش غير قادر على ذلك حاليا، فإنه يريد في الوقت نفسه أن توظّف الدولة قوته وانجازاته لحماية حقوقها السيادية في اي تفاوض ولا يهدف إلى الحلول مكانها».
– تكريس مبدأ انّ كل ما يتعلق بالأرض والحدود هو شأن سيادي من اختصاص الدولة بالدرجة الأولى، «كما جرى في تجربتي الترسيم البري عام 2000 في عهد الرئيس اميل لحود والترسيم البحري عام 2022 في عهد الرئيس ميشال عون».
نفي وجود أي اتفاق منجز في شأن مستقبل الوضع في الجنوب، «وكأنّ هناك صفقة مكتملة تم التوصل اليها تحت الطاولة على حساب الفلسطينيين وستُعلن فور انتهاء الحرب، الأمر الذي يجافي الحقيقة».
– تأكيد الثقة التامة في مرجعية الدولة التي يمثلها حالياً كل من رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، في انتظار انتخاب رئيس الجمهورية، «ذلك انّ الأول هو حليف في المقاومتين العسكرية والسياسية والثاني صديق يتم التنسيق معه على أفضل نحو ممكن في مواجهة تحديات المعركة الحالية ضد العدو الاسرائيلي، خلافاً لما كانت عليه الحال خلال عدوان 2006 حين كان فؤاد السنيورة رئيساً للحكومة».
تولّي الدولة ملف التفاوض يسمح بأن يبقى لها هامشها وللمقاومة هامشها، «الأمر الذي من شأنه ان يخدم بشكل أفضل المصالح الاستراتيجية للبنان».
– التسليم بمرجعية الدولة في التفاوض لا يتعارض مع حصول نقاش وتشاور بينها وبين المقاومة في خصوص الخيارات الأنسب لمرحلة ما بعد انتهاء الحرب، «انما من دون أن يصادر او يتجاوز اي منهما دور الآخر».
– تظهير تماسك الجبهة الداخلية عبر إبراز التفاهم بين ركنين أساسيين فيها، المقاومة والدولة، على نمط إدارة المواجهة والتفاوض، في مقابل محاولات إضعاف تلك الجبهة.