عن سؤاليّ: ماذا نستطيع أن نفعل للبنان وفيه؟ وماذا يجب أن نفعل لدمج اللاجئين السوريين إليه بالوضع فيه؟ اللذين طرحهما باحث سابق ومسؤول حالياً في مؤسسة أميركية ذات نشاط واسع ومؤثر ومفيد وغير سياسي في غالبية دول العالم، أجبتُ: لا تستطيع أن تتحدث إلى اللبنانيين عن موضوع الدمج أو الإدماج لأنهم لن يقبلوه بغالبيتهم جرّاء خوفهم منه على مستقبل نظامهم وتركيبتهم الطائفية والمذهبية. من الضروري طبعاً مدّ اللاجئين السوريين بالمساعدات، وكذلك اللبنانيين الذين يعانون أوضاعاً سيئة، وخصوصاً في مناطق اللجوء. اللبنانيون لم ينسوا حتى الآن خطر الوجود الفلسطيني اللاجئ إلى أرضهم منذ 1948 و1970 ولن ينسوه. ويبلغ عدد هؤلاء قرابة ثلاثمائة ألف إنسان.
سأل بعد ذلك عن طرابلس والوضع الأمني فيها فشرحتها له على النحو الذي قمتُ به في اجتماعات عدة في واشنطن في حلقة أو أكثر من “الموقف هذا النهار” خلال الأسابيع الماضية. ثم تحدّثنا عن الأخطار التي تهدِّد البلاد وأولها الحرب الأهلية. فكرّرت القول إن “حزب الله” وراعيته إيران يرفضانها، وإن “المستقبل” ورعاته الإقليميين يرفضونها أيضاً. ودوافع الموقفين بعضها عام وبعضها خاص. وأشرتُ في هذا المجال إلى أن غالبية السنّة اللبنانيين يتمسكون بالاعتدال، لكنهم في قرارة نفوسهم لا يمانعون في انتصار المتطرفين السنّة لأنهم يشعرون أن خطر “الحزب” وإيران عليهم لبنانياً وعربياً كبير جداً، ولأنهم يعتقدون أن هؤلاء لن “يدوموا”. وثاني الأخطار انتفاض اللاجئين السوريين وغالبيتهم سنّة على الوضع في لبنان، واحتمال أن يتسبّب ذلك بتفجير داخلي مذهبي. وثالثها معركة في عرسال بين المتطرفين السوريين و”حزب الله” واحتمال تطوُّر ذلك إلى حرب مذهبية بين اللبنانيين. ورابعها تسلُّل المتطرفين السنّة من القنيطرة إلى جنوب لبنان عبر شبعا، علماً أن ذلك يتطلّب موافقة إسرائيلية. هنا أشار الباحث السابق والمسؤول الحالي إلى “نوع من الصلة أو التعاطف (Affinity) بين الجيش والمخابرات الإسرائيلية وإيران. فهُم تعاملوا معها من زمان بالسلاح وغيره. وهم أيضاً ليسوا مع مواقف نتنياهو السلبية من التفاوض الجاري بينها وبين أميركا والمجموعة الدولية 5+1 حول ملفِّها النووي. وإذا توصّل المتفاوضون إلى اتفاق فأنه سيُبعد خطر حصول إيران على السلاح النووي عشرة سنوات أو خمس عشر سنة. وذلك كافٍ. فضلاً عن أن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو من تفضِّل إسرائيل، على حدودها مع لبنان، إيران عبر “حزب الله” أو “النصرة” ومقاتليها الذين لا رادع فعلياً لهم؟ طبعاً تكره إسرائيل “الحزب” وتودّ لو تنتهي منه. وحاولت ذلك لكنها لم تنجح. علماً أن تمركز “الدواعش” على حدودها سيشكِّل خطراً عليها. وربما يدفع ذلك “الحزب” إلى التحرُّش بها لكي تضرب الجميع. وربما يدفع أيضاً “النصرة” و”داعش” إلى التحرُّش بها بغية دفعها إلى ضرب “الحزب” في جنوب لبنان بل في لبنان كله. في أي حال أن دولة لبنان معطَّلة ولا تقوم بأي من وظائفها (Dysfunctional)”. علّقتُ: أنا أعتبرها دولة فاشلة أو تسير بسرعة نحو الدولة الفاشلة (Failed state). ولا يمكن أن يحصل فيها شيء قبل وضوح ما يجري في المنطقة وبدء ارتسام معالم نتائجه. وفي ظل الانقسام المتنوع بين شعوبه لا يمكن عمل أي شيء سوى الحفاظ على الوضع الحالي السيّئ باستقراره الهشّ وتلافي تحوّله أسوأ.
علّق: “ماذا عن الدستور المنبثق من “الطائف”؟. هناك أفرقاء متمسِّكون به وآخرون يريدون تعديله، علماً أن هناك أيضاً من يريد دستوراً مديداً أي صيغة جديدة. ماذا يفعل من لا يريد اتفاق الطائف؟ يقول المسيحيون إن رئيس الجمهورية الذي هو واحد منهم لم يعد شيئاً، ولا صلاحيات له. ويقول غيره إن البلاد تعيش بلا رئيس منذ نحو عشرة أشهر ونيف، وعلى رغم ذلك فإن الأمور فيها ماشية. كيف يمكن إبقاء ركائز الدولة اللبنانية”؟ أجبتُ: بانتخاب رئيس للجمهورية أي بملء الشغور الرئاسي وفي الوقت المناسب. أي ليس الآن لأن ذلك مستحيل. ولا بدّ من توافر ظروف إقليمية وأخرى إقليمية – دولية كي يصبح ذلك ممكناً. ولا بد أيضاً من إكمال تنفيذ اتفاق الطائف بإنشاء مجلش شيوخ بعد نزع القيد الطائفي عن مجلس النواب وجعل سلطات كل منهما متكاملة مع الآخر. وبذلك يسود توازن ومساواة وينفتح باب على المستقبل مع ضمان احترام التنوُّع الطائفي والمذهبي والمساواة.
ما هي آثار عدم وجود سياسة أميركية واضحة للشرق الأوسط؟ سألتُ. بماذا أجاب؟