ربيع الاستحقاقات يواجه خريف الحوارات.
مع انها تمهّد للاستحقاقات.
كان ميخائيل نعيمة يبشّر باندمال الجراح، مهما أوغلت، لأن الشفاء ارادة الله.
إلاّ أن حكاية الحياة تبقى أعظم وأكبر من رذالة الموت.
بعد استشهاد رشيد كرامي، ومبايعة شقيقه عمر بالزعامة، دعي الأفندي الى حفل كبير، في عرينه وبحضوره.
وقف خطيب الاحتفال وخاطبه دولة الرئيس تحسباً لما هو آتٍ.
إلاّ أن عمر كرامي وقف بعده، وقال اننا بعد الرئيس الشهيد، لا زعامة إلاّ لما أعطاه الرشيد للبنان.
واستمرت دورة الأيام، وأصبح عمر وزيراً للتربية الوطنية، في عهد الرئيس الياس الهراوي.
وعقب ذلك تطور مفاجئ:
استقال رئيس الوزراء الدكتور سليم الحص.
وحلّ مكانه عمر كرامي.
وأصبح حُلُم دولة الرئيس حقيقة.
كان عمر كرامي محامياً صلباً.
وأصبح في السياسة قائداً يتمتّع بالمرونة.
لكنه ظلّ الرقم الصعب في السياسة.
وأضحى رجل دولة.
والداعية الى قيامة الدولة.
وسار على نهج الشقيق الرشيد، في الحفاظ على المالية العامة.
وعلى النزاهة في الحكم.
كما على الاستقامة في ممارسة السلطة.
وعلى المواجهة بصلابة ومرونة، في آنٍ معاً، لدى ابداء آرائه في ما يسود الحكم من ممارسات.
خلف عمر كرامي الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
وراح ينتقد مواقفه، تحت قبّة البرلمان.
كان دولة الرئيس الشهيد يصغي الى ملاحظاته، وبعضها قاسٍ بحق ممارساته.
وكان دولة الرئيس المعارض للحكومة، يصول ويجول، مندداً بسياسات يرفضها.
إلاّ أن دولة الرئيس الشهيد، كان يقف ضاحكاً، ودولة الرئيس المعارض، يتابع كلامه ضاحكاً، ولا تفوته نكتة لاذاعة، أو يغيب عنه تعبيرٌ ساخر ولاذع!
وفي اليوم التالي، كان رئيس الوزراء يتناول الطعام عند زعيم المعارضة.
كانت تلك هي حرب المحبة والمعارضة البيضاء، بين زعيمين ينتميان الى طائفة واحدة، في وطن واحد!!
وبين الرجلين، سحابة غضب، وطوفان من المودّة البيضاء!!
حرص فقيد لبنان الكبير، على العمل المؤسساتي…
في الحكم دأب على رعاية المؤسسات.
وفي المعارضة شدّد على جمع الشمل.
ولا أحد ينسى، حرصه على العمل مع المرحوم نسيب لحود.
ولا على التوافق مع الوزير الشيخ بطرس حرب والسيدة نايلة معوض.
وفي أحيان كثيرة كان الخلاف، يحلّ مكان الوفاق.
وهذه هي السياسة في بلد ديمقراطي، كما كان يرى الزعيم القائد رشيد كرامي.
وبين النكتة اللاذعة، والابتسامة الساخرة، كان عمر كرامي يمارس دوره بإتقان.