IMLebanon

عن الدولة المقاوِمة

نحتفل هذا العام بالذكرى الرابعة والثلاثين لانطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية التي أعطت اللبنانيين أملاً بفجر جديد في مواجهة الاحتلال الجاثم على أرضنا.

عشية هذه الذكرى، لا بدّ لنا من توجيه التحية إلى أرواح الرفاق الذين غادرونا منذ أيام قليلة، وكان لهم دور كبير في إطلاقها والمشاركة فيها، كل من موقعه، القائد التاريخي للحزب الرفيق جورج بطل، نائب الأمين العام للحزب القائد المقاوم الرفيق كمال البقاعي، وعضو اللجنة المركزية للحزب الفنان المثقف الرفيق رضوان حمزة.

وإذ نشارك اليوم بالسلاح دفاعًا عن أهلنا من خطر الإرهاب الوافد إلينا من الخارج، محتفظين أيضًا بقدر من الجهوزية في المشاركة بمقاومة أي خطر إسرائيلي محدق في الجنوب، فإننا ندرك أن هذا الدور ــ على أهميته ودلالاته السياسية في تمسك الحزب بنهجه المقاوم ــ ليس كافياً، وأن الاكتفاء بذلك وبإنجازات «جمول» لا يعفي الشيوعيين والقوى اليسارية اليوم من واجباتهم بالقيام بدور فاعل ومتقدم على صعيد مقاومة الاحتلال الصهيوني ودعم الشعب الفلسطيني وحماية قضيته العادلة والمحقة من خطر التصفية، وفي دعم شعوبنا العربية وانتفاضاتها دفاعاً عن حقوقها الوطنية والاجتماعية فيحجزون بذلك لهم دورًا وموقعًا في المستقبل، كما حجزت لهم تجربتهم في إطلاق «جمول».

لقد لجأنا إلى المقاومة المسلحة الشعبية ضد الاعتداءات والغزوات الإسرائيلية في ظرف استقالت فيها الدولة عن القيام بدورها الطبيعي كممثل وحاضن ومدافع عن سيادة الوطن وعن مصالح الشعب اللبناني. ولطالما تسلَّحت أطراف لبنانية أساسية في الحكم بشعارات تبريرية من نوع «قوة لبنان في ضعفه»، وعملت بكل الطرق لضرب المقاومة والتآمر عليها منذ ولادتها وصولًا إلى حرب تموز الأخيرة.

وقد تجسَّد الرَّدُّ الشعبي، تعويضًا عن تخلي الدولة عن دورها الطبيعي، في تأسيس الحزب الشيوعي للحرس الشعبي وقوات الأنصار ثم جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، وتبعه نشوء المقاومة الإسلامية.

وإذا كان عدوان 1982 قد شكَّل الأساس المادي لتبلور خيار المقاومة ككيان عضوي في حياة لبنان، خصوصًا بعد اتفاقات الصلح العربية المنفردة وانخراط بقايا الدولة اللبنانية في عقد اتفاق 17 أيار 1983 المذل مع العدو، فإن هذا الخيار المقاوم لم يبقَ مقتصرًا على اليسار، بل تعداه إلى قوى قومية وإسلامية متعددة، لكن هذا الخيار المقاوم لم يتمكن حتى الآن من الوصول إلى القرار السياسي للدولة بحيث تصبح الدولةُ دولةَ مقاومةٍ.

إن مقولة الجيش والشعب والمقاومة تنطوي في جانب منها على عملية إعفاء للدولة من دورها المقاوِم المفترَض أن تقوم به على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية، في حين أن المطلوب دفعها لتحمل مسؤولياتها والقيام بتسليح الجيش والقوى الأمنية وعدم التخلي عن مهامها الوطنية في تعبئة كل الطاقات السياسية والشعبية وتوحيدها باعتبارها المعنية المباشرة وبالدرجة الأولى بالدفاع عن السيادة الوطنية.

إن حماية وتحصين انتصارات المقاومة يستوجب الارتقاء بها من كونها واجبًا وطنيًا يقع على عاتق هذا الحزب أو ذاك، إلى كونها مشروعًا سياسيًّا تجسده الدولة الوطنية الديمقراطية المقاوِمة الذي يشارك فيه اللبنانيون جميعًا، إنه المشروع الذي يدعو إلى ربط مهمة التحرير بالتغيير الديمقراطي في مجالات وأشكال النضال كافة بما يعطي المقاومة مفهومها الوطني الأشمل، من خلال الدولة الوطنية الديمقراطية المقاوِمة وهي البديل السياسي الذي ندعو إلى قيامه.

إن المقاومة بمعناها الأوسع هي فعل نضالي مشروع من أجل التحرر من كل أنواع الاستغلال والاستبداد والاستلاب الداخلي والخارجي. وقد شاء التطور الموضوعي أن تسود في بلداننا أنظمة رجعية وقوى طبقية مرتبطة تبعيًّا بالمصالح الاستعمارية، القديمة منها والجديدة، وقد عاثت هذه الأنظمة بتلك البلدان نهبًا وفسادًا وتحاصصًا. وهذا المعطى الموضوعي شكَّل العاملَ الداخلي في اندلاع الانتفاضات الشعبية العربية. لذا، باتت القوى الوطنية العربية ملزَمةً، وهي تواجه الخطر الكبير المتمثل بمشروع الشرق الأوسط الجديد، أن تواجهه انطلاقًا من مشروعها السياسي وموقعها المستقل الهادف إلى إفشاله وإسقاطه، وإلى إنجاز مهمة التغيير الديمقراطي والتحرر من الأنظمة الرجعية والاستبدادية، وبناء دول وطنية ديمقراطية مقاوِمة.

انطلاقًا من ارتباط هاتَين المهمتَين، توصَّل المؤتمر الحادي عشر للحزب إلى قناعة حاسمة بوجوب إسباغ الصفة المقاوِمة على شعار بناء الدولة الديمقراطية، بما يضمن الحفاظ على السيادة والاستقلال الوطنيين ويحرِّر الدولة من صيغتها الطائفية التي ليست سوى ستارٍ لإخفاء المصالح الطبقية للقوى المسيطِرة. وبهذا المعنى، تصبح الدولة الوطنية الديمقراطية المقاوِمة معبِّرة عن مصالح كل الوطن وحاملة لشرعية تمثيلية حقيقية، ويصبح اللبنانيون مواطنين متساوين في بيئة متحرِّرة من آليات الفساد والمحاصصة التي كرَّسها النظام الطائفي، بدل أن يظلوا مجرد رعايا طوائف متساكنة ومتناحرة تمزِّقهم الانقسامات المصطَنَعَة.

ولا شك في أن المقاومة في مثل هذه الظروف – أيّ مقاومة – لا تجد نفسها تواجه العدو الخارجي فقط، بل هي تصطدم أيضا بالقوى السياسية والطائفية الداخلية المرتبطة بهذا النمط من الدولة والنظام والاقتصاد، المتعارِض مع المصالح الحقيقية لغالبية اللبنانيين.

الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني