كأن مسلسل الفضائح المستمر ليس كافياً ليُظهر مدى تدهور القيم في منارة الحرف، وعجز الدولة في وطن الديمقراطية، حيث بلغ التعطيل أوجّه في مختلف المؤسسات وسائر المرافق الحيوية، وباتت الحدود الدنيا من التواصل مهددة بالانقطاع.
فمع تزايد الأصوات المهددة بالانسحاب من طاولة الحوار، تكون الطبقة السياسية تقضي على آخر معالم التلاقي، التي لعبت حتى اليوم دوراً إيجابياً، على الرغم من محدوديته، في عزل الشارع عن البازار السياسي، وحصره ضمن الغرف المغلقة، وأروقة ما تبقى من مؤسسات الدولة.
وينسحب الشلل إلى مجلس النواب حيث تحاول بعض الأطراف تسويق تشريع الضرورة حتى تعود العجلة إلى الدوران في المجلس المعطل، والذي تحوّل إلى مقبرة القوانين، ومخزن المشاريع المنسية.
أما الحكومة، فهي في حالة تحدٍ مستمر، بما أن كل جلسة تشكّل قطوعاً يُهدّد مصير الحكومة واستمراريتها. وعلى الرغم من تزاحم الملفات الملحة على جدول أعمال مجلس الوزراء تبقى قدرة الوزراء الأشاوس على تعطيل الجلسة عبر التواطؤ الضمني على عدم التوافق وفضّها، مغلبين دوماً البنود الخلافية، على القضايا الوطنية الجامعة.
ورغم أن كمّ الفضائح التي ظهرت على الملأ، وفي مختلف القطاعات والمجالات، كشفت بشكل سافر، مدى اهتراء المؤسسات الرسمية والأنظمة الرقابية وقدرتها على المحاسبة، إلا أن أية خطوة جدية نحو إعادة تأهيل للأنظمة الرقابية لم توضع حيز التنفيذ.. وبالتالي، ستحمل مسؤولية دومينو الانهيار الذي ينتقل من مؤسسة إلى أخرى، في ظل شغور رئاسي، وانفلات سياسي، حيث يجتهد كل فريق في المواقف السياسية بما يخدم أجنداته الخاصة، ضارباً عرض الحائط مصلحة غالبية اللبنانيين ومشوشاً على سياسة الوطن الرسمية؟
بين التلوث البيئي والسياسي القاتل، يبقى المواطن مراهناً على قدرة القضاء على الضرب بيد من حديد، وبين فراغ رئاسي وعجز سياسي، لن يُنقذ ما تبقى من جوهر الوطن سوى التسوية المحلية لأرضية مشتركة، تبعد شبح الدولة الفاشلة عمّا كان يسمى بـ «سويسرا الشرق» في عصره الذهبي! ولن تتم إلا بوأد الطائفية السياسية وإعادة الاحتكام إلى الدستور وحده تحت مظلة الطائف كونها المظلة الوحيدة التي تجمع ولا تفرّق حتى الآن!