الروس ليسوا أغبياء، على الأقل تمكن فلاديمير بوتين من ان يلعب بمهارة على مسرح المذبحة السورية، وان يتلاعب بباراك أوباما الذي طالما بدا منذ خمسة اعوام كأنه لا يملك اي استراتيجيا، كذلك طالما بدا جون كيري وكأنه يلهث عبثاً وراء سيرغي لافروف، الذي تولى عملية إجهاض الثورة السورية منذ البداية فنسف “المبادرة العربية” ثم أسقط نهائياً موضوع الانتقال السياسي.
لم يكن هناك من “داعش” ولا من الإرهابيين، فلقد تقاطر هؤلاء الى سوريا نتيجة الهول الدموي والمذابح التي اقترفها النظام، ولكن منذ البداية تبنت موسكو شعار الأسد أو لا أحد الذي راحت ترجماته الميدانية تزداد وضوحاً منذ خمسة أعوام على قاعدة “الأسد أو ندمر البلد”!
بوتين أسقط “مؤتمر جنيف” ونسف مهمة كوفي أنان ومن بعده الأخضر الإبرهيمي وسيتبعهما دو ميستورا، وعلى رغم ما تردد حديثاً عن أن موسكو تفاهمت مع أميركا وبعض الاطراف الإقليميين على حل يقضي بتنحي الاسد من دون إسقاط النظام، وعلى رغم اعتراف الاسد في خطابه الأخير بتراجعه، ذلك انه لم يعد يسيطر على أكثر من 20 في المئة من مساحة سوريا، عاد بوتين الى شعار الاسد أو لا أحد حتى لو دمرنا البلد!
قصة بوتين مع الاسد تذكّرنا بقصة الأسد مع اميل لحود، ففي عام 2004 طرحت قضية ساخنة في لبنان مع انتهاء ولاية اميل لحود الذي أصرّ الأسد على تمديد ولايته ثلاث سنوات بحجة مضحكة مبكية هي انه “الوحيد الذي تأتمنه سوريا في لبنان”!
كان الأمر بمثابة فضيحة موصوفة إذ ان الأسد لم يجد بعد هيمنة سوريا على لبنان عقدين من الزمن غير رجل واحد مؤتمن، وها هو بوتين لا يجد في سوريا التي يحالفها منذ زمن ودعم نظامها ضد الشعب السوري سوى الاسد مؤتمناً، وهكذا لا يتردد الكرملين في الرد على انتقادات أوباما لتدفق الشحنات العسكرية الروسية الى سوريا، بالقول إن هذه الانتقادات ليست جديدة لكن أحداً لم يقدم بديلاً من الرئيس بشار الاسد في محاربة تنظيم “داعش”.
لكن بوتين الذي يعرف جيداً ان الاسد لن يتمكن من استعادة السيطرة على سوريا وان في وجهه جبلاً من القتلى يصل الى 300 ألف وملايين اللاجئين، يعرف أيضاً انه بتحصين مواقعه في طرطوس واللاذقية والساحل السوري ودعمه قيام “الدولة العلوية”، يضمن ترسيخ مصالحه على المتوسط، واستمرار دوره كلاعب محوري في الإقليم الذي تجتاحه زلازل من الاضطرابات والمشاكل.
لكن إقامة المطارات وحشد القوات في جبلة واللاذقية وغيرهما لن يغير النتائج التي قد يحصدها على الطريقة الافغانية كما حصل عام 1988، إلا اذا كان شريكاً مضارباً مع أوباما وايران في عملية تقسيم سوريا والمنطقة!