قَلَب الكورونا حياة البشر على الكوكب. دمّر تواصل الأفراد الانساني ودفء الإجتماع، وأحلَّ محلهما الخشية من “الآخر” والانطواء في ظل غريزة البقاء.
ستزول هذه الشِّدة، لكنها ستزيل معها مفاهيم ومسلَّمات ومحرَّمات وستجرف أنظمة تعيش على الكذب منذ عقود أو سنوات.
دول كبرى ومتقدمة ستسأل كيف فاجأها فيروس غير مرئي ليدمر دورة حياة اقتصادية ومالية وسياسية بَنَتها بكل ما أوتيت من أدوات، وستتعجب من هشاشتها إزاء عدوى خرجت من آكل وطواط صيني أو من مختبر تلاعَب بأنابيب الاختبارات. لكنها ستستخلص العِبر وتجند العلم والمال تحسباً لحادث ليس في البال.
سيسأل مؤمنون سؤال اسقف كنتربري روان وليامز إثر تسونامي شاطئ المحيط الهندي الذي أودى بـ 230 ألف قتيل (دايلي تلغراف 1-2-2004) “أين الله من كل ذلك…؟”، ولن يكتفوا باعتبارالجائحة بلاء أو تجريباً للإنسان. ولا ندري هل ينكفئ البعض عن الايمان أم عن ممارسات لا تمس جوهر العقائد، أم يذهب آخرون الى تشدد ديني غارق في غيبيات القرون الوسطى.
سيكون الموضوع مفتوحاً. لكل دولة ومجتمع وشريحة إجتماعية ودينية أسئلتها وأجوبتها. لكننا نحن في لبنان لدينا هاجس أولي يجب ان تصغر أمامه سائر الاهتمامات، هو هاجس إقامة دولة، وحدها شاطئ الأمان واليد الحانية في الملمات.
ستفشل بالطبع أي مبالغة تذهب الى الغاء النظام الليبرالي في السياسة والاقتصاد. لكن حرية الاقتصاد يجب ان تخدم الشعب وليس “تحالف الحرامية” رجال أعمال ومصرفيين وسياسيين وموظفين فاسدين. المبادرة الفردية لا يمكن ان تفلت الحبل على غاربه للاحتكارات والمناقصات والفساد ولا لجَني المال الحرام عبر ريوع تضرب الانتاج.
على اللبنانيين جميعاً التصدي لأي محاولة لإقامة ديكتاتورية بحجة بناء الدولة القوية. فالديموقراطية وحرية الرأي قدس الأقداس. لكن الدولة يجب أن تأخذ على عاتقها قدراً أكبر بكثير من المسؤولية خصوصاً في مجال الصحة والتعليم، ولا مفرَّ من اعادة التجنيد الالزامي شاملاً الشباب والفتيات لنكوّن جهوزية عامة في مواجهة النوائب تحمي الأجيال.
شرط كل ما تقدم أن يتخلى الجميع عن الأوهام والتخلّف. فنُسقط سلطة الطوائف والمذاهب ونظرية “المكونات” بالتوازي مع التسليم بأولوية المواطنية وبوحدانية السلاح الشرعي والانتهاء من كل الولاءات الفوق وطنية.
ليس مبكراً هذا الكلام. روحيته يجب ان تحكم سلوك حكومة حسان دياب. صحيح ان ما بدر منها حتى الآن استمرار للسياسات التي أفلست البلاد. لكنها في الواجهة، وآلت على نفسها تحمل المسؤولية في هذا الوقت الحرج. فإن أدارت موضوع الكورونا بطريقة مسؤولة وفاعلة (ليس على غرار السماح بهبوط الطائرات) بدءاً من الآن، “ضربنا” لها السلام، وإذا اتخذت قرارات مالية لمصلحة الناس وليس عصابة المصارف قدرنا لها تصديها لتحالف الحيتان. وإذا قامت بالإصلاحات بعيداً من الصفقات ونموذجها العظيم قطاع الكهرباء والاتصالات انحنينا اجلالاً.
حين كان النازيون يقصفون لندن في الحرب العالمية الثانية اطمأن تشرشل الى سير العدالة في بريطانيا. بناء الدولة يبدأ في زمن النوائب، وعماد الدولة استقلال القضاء. فلتُوقَّع التشكيلات بلا مماحكات ولف ودوران وليتضبضب المصرون على المحاصصات. ولتكن أولى اللبنات.