في حقبة الانتداب وقف الرئيس شارل دباس منتقداً السلطة بعنف، فوصفها بأنها أشبه بمغارة علي بابا والأربعين حرامي.
إلا ان بعض المعارضة، نددوا بما ذهب اليه الرجل، قبل انتخابه رئيساً للجمهورية.
انما بعد انتخابه، ظلّ أميناً على أوصافه والآراء، ولا أحد سجل عليه يوماً، انه تراجع عن اتهاماته، وظلّ يكافح الفساد، حيثما وُجد أو تناهى اليه شيوعه واستمراره في المرافق العامة والخاصة.
وبعد الانتداب وفي إبّان الاستقلال، عرف لبنان معارضة قوية للفساد، وراح استشراؤه يقض المضاجع والخواطر، داخل الحكم وبين السياسيين، وكانت مرحلة نفوذ السلطان سليم شديدة الوطأة على الناس. خصوصا وان السلطان هو شقيق رئيس الجمهورية، وان المعارضة تمثلت برموز كبرى في الرأي العام، أبرزها عمالقة الصحافة، وفي مقدمتهم سعيد فريحه.
وكان رياض الصلح يحدب على آراء المعارضة، لكن، لا أحد كان يسجل على رئيس الجمهورية الشيخ بشاره الخوري، أي انغماس في فساد شقيقه السلطان، الذي اضطر الى الاستقالة من النيابة، بدليل ان الرئيس فواد شهاب، كان ينوي تكليفه برئاسة الحكومة، ساعة عزم على الاستقالة من رئاسة الجمهورية.
خلال الأيام الماضية، تساءل الناس في لبنان، وهم يصغون الى حملة الوزيرين علي حسن خليل ووائل أبو فاعور، على شاشات التلفزة، عما اذا كان اللبنانيون يعيشون في دولة أم في مغارة شبيهة بمغارة علي بابا.
الوزير خليل فتح ملف الأملاك العقارية، وكشف للرأي العام، ان معظم المسؤولين متهمون بارتكاب الموبقات والفضائح، في حين تابع وزير الصحة حربه على الفساد الذي يجتاح المواد الغذائية.
وهذا يعني ان اللبنانيين يأكلون السموم، ويتناولون اللحوم الفاسدة، ويلتهمون الألبان والأجبان الفاقدة الصلاحية، ويشربون المياه الموبوءة.
والملاحظة، ان كلاً من الوزيرين علي حسن خليل ووائل أبو فاعور ينتميان الى حركة سياسية يرئس الأولى الرئيس نبيه بري ويقود الثانية النائب والوزير السابق وليد جنبلاط.
ومع ذلك، فان رئيس البرلمان وزعيم التقدمي طالبا وزير المالية ووزير الصحة، ب ضرب قلاع الفساد والفاسدين من دون هوادة.
ويبدو ان الحبل على الجرّار، وان كلا منهما يمرّان في القضاء، وهما يسعيان الى استئصال الفساد من مرافق البلاد.
ولم ينكر أي منهما، ان بعض الجناة على الحق، قد يتسلحون بمواقفهما الحزبية أو الطائفية لممارسة الهيمنة على المؤسسات، والإمعان في التسلّط عليها، هذا اذا ما تبيّن لهما أي ضلوع لهم في الأمر.
الهيئات العقارية، أصبحت ممالك للفساد.
والمسالخ أضحت أوكاراً تباع فيها اللحوم وتشرى، ولا أحد تصرّف كرقيب لقمع المتاجرة بلقمة الانسان، أو حسيب على حياة الناس.
هناك أسئلة لا بد من طرحها:
أين كان هؤلاء الفاسدون، وهم يتاجرون بحياة المواطنين، وأين كان الوزيران علي حسن خليل ووائل أبو فاعور قبل الآن.
ومع ذلك، فان الوزيرين، ربحا الرأي العام، وأصبح كل منهما نجماً لامعاً في أجواء الاصلاح. يرفع لهما كل مواطن قبعته احتراماً وتقديراً.
المواطن يتساءل: هل نحن في دولة أم فيمغارة؟
وهل لبنان وطن حقيقي، أم في بلدة غارق في جحيم الفساد؟
لبنان يحكمه ويتحكم به الارهاب، المهيمن على حياته العامة.
هل نبتت داعش ولمع نجم النصرة وكان خطف العسكريين، وذبح الأبرياء وقتلهم صدفة أم انه جاء نتيجة غياب السلطة؟
البلاد الآن في نكبة أدهى وأخطر من نكبة البرامكة.
ومن العصر العباسي الى العصر الداعشي، ثمة وطن يتهاوى أمام منظمات تكفيرية، وكل يوم يستيقظ على مصيبة، ولا أحد يستطيع المفاضلة بين البراءة والمقايضة.
وهذه هي المصيبة!!