ما يجري اليوم، على الأرض، من اضطرابات وتظاهرات وتصريحات وعنتريات وتحديات وأصوات عالية لا يمكن أن يحصل في أي دولة تحترم نفسها، ولفتتني باهتمام المذكرة التي أصدرها رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري والتي ذكّر فيها بالمادة 14 من قانون الموظفين التي توجب على الموظف أن «يستوحي في عمله المصلحة العامة من دون سواها وأن يسهر على تطبيق القوانين من دون أي تجاوز أو مخالفة أو إهمال…»، ثم ذكرهم بنص المادة 15 من القانون ذاته «التي تحظر على الموظف القيام بأي عمل «تمنعه القوانين والأنظمة» وتحظر في فقرتها الثالثة عليه «أن يُضرب عن العمل أو يحرّض غيره على الاضراب(…)».
وحسناً فعل رئيس الحكومة بالتذكير بهذه المذكرة القانونية وربّـما كان هذا التذكير أحد عوامل تخفيف الإحتقان في الشارع.
إنّ القيادة السياسية في البلد والنواب هم من اختيار هذا الشعب… في بلدان العالم الترشحات للانتخابات النيابية تكون من خلال برنامج عمل للمرشح يشرح فيه خطته وفي ضوئها يحاسبه الشعب، هل نفذ برنامجه أم لا؟ في ألمانيا أعاد الشعب المستشارة أنجيلا ميركل الى السلطة لأنها نفذت وعودها.
والشيء ذاته في بريطانيا وفي فرنسا وفي العالم المتحضر كافة: الشعب يمنح الثقة ليس إكراماً لعيون هذا أو ذاك، إنّـما على قاعدة ما يعد به، ثم ما يحققه أو لا يحققه.
المصيبة عندنا أننا نقيس أنفسنا بأكثر الدول حضارة وحريات وشفافية، وفي الوقت ذاته نتصرّف كأننا إحدى دول مجاهل أفريقيا تخلفاً فلا مراعاة للحد الأدنى من بديهيات الحياة.
على سبيل المثال: بقينا سنتين في معالجة النفايات وطرح الحلول حتى أصبح كل لبناني خبيراً محلفاً لدى المحاكم الدولية في النفايات.
المضحك المبكي أنه حتى النفايات صار لها هويّة طائفية: يُسمح بها في منطقة وترفض في منطقة أخرى، هنا المحرقة مقبولة وهناك مرفوضة، في بلدان العالم كلها لا مشكلة نفايات، فلماذا نحن لدينا هذه المشكلة؟
مثال آخر – الكهرباء: يعاني القاصي والداني من مشكلة التيار الكهربائي، فهل يُعقل أنّ هذا الشعب الذي هو من أنجح شعوب العالم لا يستطيع حل مشكلة الكهرباء في لبنان؟ جميع شركات الكهرباء في العالم تربح، أما عندنا فنصف الدين العام بسبب العجز في الكهرباء.
فهل كان هذا ليحصل لو عندنا دولة؟.
مثال ثالث: سلسلة الرتب والرواتب، كيف يمكن لمؤسّسة مفلسة أن تزيد من رواتب موظفيها، يمكن التقسيط على خمس أو عشر سنوات، أما أن تكون في عجز وتزيده من دون توفير أي غطاء؟
مثال آخر: النفط، في الوقت الذي نتلهّى بالخلاف مع إسرائيل على بلوك… سنصل إلى وقت «تشفطه» إسرائيل وينضب، وكأننا لم نتعلم كيف طارت فلسطين والقدس وأخيراً الجولان… وما زلنا نقبل أو لا نقبل!