كان فؤاد شهاب رجل دولة.
راوده الحلم ببناء دولة.
عاش معه هذا الحلم، وهو جندي.
وترعرع من ثم مشروعاً يرافق طموحه.
وعندما اتفق الرئيس الأميركي الجنرال ايزنهاور والرئيس المصري جمال عبدالناصر، على فؤاد شهاب لرئاسة لبنان، ظلّ الحلم يربض على مخيّلته.
ظلّ فؤاد شهاب يؤمن بأن الدولة تُبنى من تحت، ولا تصنع من فوق.
وبين البناء والصناعة، والحكم والسياسة، اختار العزوف عن السلطة، لئلا يستسلم الى الإخفاق.
في لقاء الخيمة، عندما ذهب الى لقاء جمال عبدالناصر، بوصفه رئيساً للجمهورية العربية المتحدة المؤلفة من مصر وسوريا، عند الحدود اللبنانية – السورية، أحجم عن التقدّم الى استقبال الرائد العربي، لأنه كان جنرالاً والثاني وصل الى السلطة وهو باكباشي.
والعسكريان احترما منطق الرتبة، ورفضا معاً رتابة المواقع السائدة.
بهذا المنطق اختار فؤاد شهاب فريق عمله.
واحترم جمال عبدالناصر المنطق نفسه.
دأب فؤاد شهاب، على اختيار أصحاب الكفايات، ولم يستسلم لرموز المواقع.
ولذلك، فقد اختار الشهيد رشيد كرامي ليكون رئيساً للحكومة، وفيليب تقلا لوزارة الخارجية، ونبش من ذاكرته، محامياً، كان قاضياً، عندما شاهده، وهو قائد للجيش، يزور مع وزير الدفاع الأمير مجيد ارسلان المحكمة العسكرية، وعرض الوزارة على فؤاد بطرس.
لفت نظر فؤاد شهاب، شاب ألمعي، مثقف، هو الأستاذ الياس سركيس، وجعله مديراً عاماً للرئاسة الأولى، واختاره بعد قرابة ثلاثة عقود، ليكون مرشحه لرئاسة الجمهورية.
وبين هذه الفصول، وقع اختياره على وجوه لامعة وكفيّة وضمّها الى رجالات ادارته.
وكان من أبرزها الدكتور شارل رزق، الذي تقلّب في مناصب أساسية أبرزها المديرية العامة لوزارة الاعلام يومئذٍ، ومن ثم رئاسة مجلس ادارة تلفزيون لبنان.
راهن الأمير اللواء فؤاد شهاب على شارل رزق حامل الاجازة الجامعية في الحقوق، ومن ومعهد العلوم السياسية في جامعة ليون الفرنسية.
رحل فؤاد شهاب، ووصل مرشحه للرئاسة، الى المنصب الأول، وغاب من دون ان تتاح له رؤية شارل رزق في وزارات الاعلام والسياحة، وفي وزارة العدل في مطالع الألف الثالث.
فاجأ شارل رزق، والبلاد في أزمة الشغور الرئاسي اللبنانيين بكتاب يعرض فيه الاوضاع بين الفوضى اللبنانية والتفكك السوري.
واذا بهذا الكتاب يعود بالناس الى وقائع الحياة السياسية، بتفاصيل دقيقة، وبوقائع جمة، من وحي مرحلة انجرف فيها لبنان، ولا يزال، بين ضروب الأزمات والنكبات، وجذور الانتماءات الفكرية عند الافرقاء.
الا ان الهاجس الذي لا يفارق شارل رزق، هو ضياع الدولة، وانحراف معظم السياسيين عن النهج الذي ارساه فؤاد شهاب، وحاول خليفته بعد حين الياس سركيس، أن يفعله.
هل كان رحيل حافظ الاسد، عن سوريا بعدما حكم لبنان مواربة، أو تحكم به مناورة، مدعاة لشارل رزق، الى أن يكتب مذكراته.
هو نفسه يجيب في مقدمة الكتاب: لستُ في صدد كتابة مذكراتي. وما أطمح اليه هو تحليل التجربة اللبنانية.
وآخر نصيحة يسديها للبنانيين، بعد أربعين عاماً من الانقسام والتناحر، أن يستخلصوا العبر والدروس، من الاخطاء الماضية، وأن يعودوا الى دولتهم، بعدما جربوا معظم الخيارات.
الخيار الأصعب بالنسبة اليه، ربما يكون الخيار اللبناني الذي ربما يكون الخيار الأصعب، لكنه الوحيد الذي يجعلهم جديرين بالاستقلال.
في زمان وسائل الاتصالات الحديثة، والابتعاد عن المطالعات، يفاجئك الناس انهم لا يزالون مدمنين على القراءة، أو ربما على قراءة كتاب شارل رزق، لما ينطوي عليه من السؤال الاساسي الذي طرحه فؤاد شهاب قبل اكثر من نصف قرن: اين هي الدولة الآن؟
هل نحن في زمان داعش والنصرة؟
هل ما عرفه العرب، بعد الثورة العراقية العام ١٩٥٨، افضل من الارهاب الداعشي؟
ام ان شارل رزق حاول الايحاء بأن لبنان مقبل، بعد اعوام على ولادة عالم لم يولد بعد؟
شارل رزق المفكر الليبرالي، رشحوه قبل سبع سنوات لرئاسة الجمهورية، وأعاد التنويه في كتابه الجديد بحلم الدولة، وبانتظام الحياة السياسية بين الحزب الدستوري، وحزب الكتلة الوطنية.