IMLebanon

الدولة غاشية والعمالة ماشية…

أكثر من 40 عاماً أمضيناها في الحروب والأزمات والجوع والتهجير، أكثر من 40 عاماً صَمدنا في وجه الظروف من أجل قطعة أرض في قرية نائية وشجرة تفّاح، من أجل منقوشة زعتر وأغنية لفيروز في الصباح، صَمدنا من أجل باسبور بلا فائدة، ومستقبل بلا أفق، صَمدنا فقط من أجل لبنان، حتى لو كان إسماً بلا وطن.

والله أيوبُ لكانَ «ضحك في عبّه» لو رأى كلَّ ما تحمّلناه من نفايات وفساد وطائفية وجهلٍ واستِلشاق من أجل حنان وطن يَركلنا بظلمِه مذ أبصَرنا النور. وما هو شعورنا نحن اللبنانيين اليوم؟ شعورنا كمواطنين مثلُ شعور الولد الذي تَربّى مع أمّ اكتشفَ في سنّ العشرين أنّها زوجة أبيه، أو أنّه طفلٌ لقيط تمّ تبنّيه حسنةً لوجه الله.

كلّما حَلبنا سطلاً تَركله الحكومة ومسؤولو هذا البلد بإهمالهم القياسي الذي يُمرّغون به وجوهنا بالتراب، وباستخفاف خرافيّ بحقوقنا الاجتماعية والمعيشية على كلّ الأراضي اللبنانية، وبجوع بدأ يَطرق أبواب كثير من العائلات اللبنانية بسبب جشعِ أصحاب الأعمال وتقاعسِ المسؤولين عن أداء أدنى واجباتهم التي يتقاضون المعاشات لتنفيذها.

النائب يقبض من دون أن ينفّذ المهمّات التي أوكلناه إياها، والوزير يَهين كراماتنا بـ»بوديغارتاته» ويَدهسنا كالقطط بمواكبه «المفيَّمة» وهو يقود مسرعاً لإظهار احترامه لحقوق الإنسان والنازحين أمام المسؤولين الغربيين في سفارات بلادهم… حقوق الإنسان، معالي الوزير، هي الحفاظ على حقوق أبناء بلدك في الأوضاع الصعبة، حتى يشكروك في أيام الرخاء… لأنّنا أصبحنا «قطيعاً» يبحث عن لقمة عيشه في قمامةِ ما بقيَ من كرامة اللبنانيين في هذه المزرعة.

مِش الحقّ على السوري الذي أرغَمه الخوف والرعب على تركِ أرضه وبيته وحَملِ عائلته على أكتافه للسكنِ في خيمة أو في ظلّ شجرة أو تحت جسر مشاة، مِش الحقّ على السوري إذا كان مستعدّاً لخوض مناقصات على معاشه الشهري في أيّ وظيفة فقط لأنّ قساوة الحياة أرغمته على أكل الذلّ مع كلّ لقمة، ومِش الحق على السوري إذا كان مستعدّاً للعمل في أيّ وظيفة من أجل «كبّاية» حليب لرضيع حجمُه أصغر من القنبلة التي كسّرَت مهدَه في سوريا… والحقّ كلّ الحقّ على الحكومة اللبنانية التي لم تضَع حتى هذه الساعة مخطّطاً توجيهياً لتنظيم اليد العاملة الأجنبية والسورية وحفظ حقوق اللبناني مهما تبدّلت الظروف، ولم تضمن مستقبل متخرّجي الفندقية والمهنية وأصحاب المهن الحرّة… والحقّ كلّ الحقّ على رجال الأعمال وأصحاب المصالح والشركات الذين يُدنّسون لقمة عيش اللبناني المعتّر بجشعِهم وبَطرهم وقلّة مسؤوليتهم من أجل توفير دولارات يدّخرونها لمظاهر فحشِهم وبابازياتهم.

شو كنتو ناطرين، أن يهاجر السوري من بلده ويموت من الجوع في خيمته المطمورة بالثلج والمسلوقة بالشمس، أو كِنتو ناطرين مليون ونصف مليون سوري أن «يشحدوا» على أبواب الجوامع والكنائس… لا يا حبيبي، من حقّ السوري أن يعمل ولكن وفق قوانين ومعايير تطبّقها حتى أضعف دول العالم لحماية حقّ العمالة الوطنية والحفاظ على كرامة شعبها.

اللبناني في عين دولته يجب أن يكون طفلاً مدلّلاً وليس خروفاً مسمَّناً مشرَّعاً ذبحُه كلّما نَضجت الصفقات وانعقدت المفاوضات… والبحث في مشروعية لقمة العيش ليس نقاشاً في الديموغرافيا السنّية ولا الحسابات العسكرية الشيعية ولا الإحساس المسيحي والدرزي بالتهميش والإلغاء، والسؤال عن الحقوق المدنية ليس عنصرية كما يتراءى للطائفيين والمسيّرين بنِير أحزابهم…

سيبقى السوري ضيفاً مكرَّماً طالما لم تنطفئ نيران جحيمه، ولكن شرط أن يبقى اللبناني آكلاً شارباً عاملاً منتِجاً في بلادٍ ضحّى بسنين عمره الغالية من أجل خدماتها البالية…