Site icon IMLebanon

الدولة تُعاقب المواطنين: الأسعار ترتفع والقدرة الشرائية تتراجع

يجمع الخبراء الاقتصاديون على ان اقرار سلسلة الرتب والرواتب بالاضافة الى الضرائب والرسوم المتصلة بها، لن يساهم في رفع القدرة الشرائية للمواطنين كما هو متوقع، بل سيضرب هذه القدرة خصوصا ان الشريحة الاكبر من المواطنين التي تنتمي الى القطاع الخاص لن تنال زيادة في الاجور لكي تدفع زيادة  في الضرائب.

اندلعت «حرب» سلسلة الرتب والرواتب في العام 2012، واستمرّت خمسة اعوام، خاض خلالها، الموالون والمعارضون للسلسلة، معارك متواصلة تخللتها اعتصامات وتظاهرات في الشوارع واضرابات في القطاع التربوي والادارات الرسمية، لم تكن جميعها دافعاً امام السلطات المتعاقبة لاقرار السلسلة بذريعة ان الاوضاع المالية والاقتصادية لم تكن مؤاتية في تلك الفترة.

منذ العام 2012 ولغاية اليوم، بدأ الاقتصاد اللبناني بالانحدار متأثرا بالأزمات الاقليمية خصوصا الأزمة السورية التي كان لها الوقع الاكبر عليه، الى ان وصل الاقتصاد اللبناني اليوم الى حافة الهاوية مع تراجع نسبة النمو الى اقلّ من 1 في المئة جراء الاعباء الكبيرة التي فرضها النزوح السوري على لبنان.

وقد قررت الدولة، مرغمة، اختيار هذا التوقيت السيء لاقرار سلسلة الرتب والرواتب.

يتلهف المسؤولون السياسيون اكثر من موظفي القطاع العام لاقرار السلسلة، لأنها برأيهم، حبل خلاص لمالية الدولة في الوقت الحالي، من حيث الكلفة المقدّرة للضرائب والرسوم التي يقترحها مشروع السلسلة والتي تفوق فعلياً قيمة السلسلة، وقد أكد رئيس مجلس النواب نبيه بري خلال جلسة مجلس النواب امس ان «لا شيء يعطى «ببلاش» فهناك زيادة ضرائب وإصلاحات عديدة نستقتل للسير بها».

وبما ان الموازنة المنشودة التي سيتم اقراراها لاول مرة منذ 12 عاما، لا تتضمن اي انفاق استثماري او استراتيجية اقتصادية لسد العجز الذي سيبلغ في العام المقبل 6 مليارات دولار، فان اموال السلسلة ستُنفق على الرواتب والاجور، عجز الكهرباء، خدمة الدين العام، وغيرها من المصاريف غير الانتاجية.

أسعار السلع ترتفع

من ناحية اخرى، من المرجح ان يؤدي اقرار سلسلة الرتب والرواتب والضرائب المتصلة بها الى تراجع مؤشر الثقة في لبنان، حيث ان اقرار السلسلة المقدّرة كلفتها في الحد الادنى بحوالي 800 مليون دولار سنويا، قد يؤدي الى ارتفاع نسبة التضخم في الأشهر المقبلة، خصوصا ان مخاطر التضخم المستورد قد زادت في الأسابيع الأخيرة في ظل ارتفاع اليورو الذي سيظهر جليّاً على اسعار الاستهلاك محلياً.

ومع ارتفاع اليورو بنسبة 10٪ في الأشهر الستة الأولى من العام الحالي مقابل الدولار الاميركي الذي ترتبط به الليرة اللبنانية، تجدر الاشارة الى أن 33.2٪ من واردات لبنان، أي ما يعادل 2.1 مليار دولار، كان مصدرها منطقة اليورو في الاشهر الأربعة الأولى من العام 2017. مما يعني ان اسعار السلع ستبدأ بالارتفاع وستنحدر القدرة الشرائية للمواطن.

بالاضافة الى ذلك، ستتلقى اسعار السلع دعماً أيضاَ من اقرار السلسلة وسلة الضرائب الجديدة المرتبطة بها، وحتى لو كانت بعض الضرائب لا تطال المواطنين مباشرة، فان التجار سيستغلون الفرصة لرفع اسعار كافة السلع.

في هذا الاطار، رأى الخبير الاقتصادي مروان اسكندر ان الدولة لا تبحث في معالجة الامور الجوهرية التي تساهم في رفع القدرة الشرائية للمواطنين، ولا تمعن في اسباب تدهور الوضع الاقتصادي، «بل ان الطبقة الحاكمة تعتبر ان باستطاعتها الاستدانة بقدر ما تشاء».

ولفت الى ان القدرة الشرائية للمواطنين لن ترتفع طالما ان المواطن يدفع كلفة مضاعفة للكهرباء، والمياه، والطبابة، والتعليم…

وفيما اكد ان الضرائب المقترحة في غير محلّها، قال لـ«الجمهورية» ان الضريبة على فوائد الودائع المصرفية التي يعتبر معظمهم انها ستطال الطبقة الغنية، ستطال كافة شرائح المجتمع وكافة الموظفين الذي تقاضوا تعويضات واودعوها في المصارف.

واعتبر ان هذه الضريبة ستضرب الموارد المالية التي يمكن ان تتدفق الى لبنان. شارحا ان اهم سبب للهندسة المالية التي قام بها مصرف لبنان هو غياب التدفقات المالية الى لبنان التي تحتاجها الدولة من اجل تمويل الخزينة، وبالتالي فان غياب تلك التدفقات سيؤدي الى رفع اسعار الفوائد على الاستدانة.

حبيقة

من جهته، أكد الخبير الاقتصادي لويس حبيقة ان القدرة الشرائية للمواطنين لن ترتفع مع اقرار السلسلة وسلة الضرائب المرتبطة بها، ولفت الى ان الدولة تعاقب جميع المواطنين، منهم من لن تطاله السلسلة والذي سيتحمّل ضرائب اضافية رغم انه لم يحصل على اي زيادة في الاجور.

واشار الى عدم تأييده لفرض اي ضرائب اضافية على المواطنين في الوقت الحالي، مشددا على ضرورة معالجة مصادر الهدر في الدولة.

وقال لـ»الجمهورية»: لا اطالب بوقف الهدر كليّاً لأننا نعلم جميعا ان ذلك مستحيل في لبنان، ولكن خفض نسبة الهدر ممكنة وزيادة التحصيل الضريبي ممكنة أيضاً.

ولفت الى ان ما ظهر في بنود الإنفاق العام للدولة «أمر معيب وغير مقبول، على سبيل المثال، الهبات المقدمة من الدولة لجمعيات خيرية».

واعتبر حبيقة ان المقاربة التي تعتمدها الدولة في ملف السلسلة خاطئة، «فإعطاء المواطنين السلسلة من ناحية وفرض الضرائب عليهم من ناحية اخرى، هي عملية استخفاف بعقول المواطنين. الاجدى عدم اقرار السلسلة».

واوضح انه يمكن تمويل السلسلة من دون فرض ضرائب اضافية عبر تخفيض الانفاق العام، «إلا ان هذا الامر يرفضه السياسيون لانه يمسّ بمنافعهم الشخصية»، مشيرا الى ان السلسلة يمكن ان تموّل نفسها من خلال الانفاق الاضافي للمستفيدين من السلسلة، مما يحرّك السوق ويخلق دورة اقتصادية».