IMLebanon

دولة الرئيس… “عمر أفندي”!

قبل أن يقهره المرض ويضطر مرغما الى ملازمة المنزل والانقطاع عن اي نشاط سياسي او اجتماعي منذ فترة غير قصيرة، كنا نزور الرئيس عمر كرامي اسبوعيا في منزله في بيروت. كان يحضر مساء الاثنين من طرابلس، ويعود الاربعاء مساء. وتحول الثلثاء الى موعد اسبوعي، بدأ فرديا – ثنائيا، ثم توسع تدريجا ليصبح لقاء منتظما مع بعض الزملاء. لم يكن يهوى التصريحات التقليدية الجامدة، بل كان يريدها جلسة مع اصدقاء ودردشة في مختلف الشؤون والشجون، وليكتب كل على طريقته، ولم تخلُ مرة من القفشات المعروفة عند “الافندي” وهو اللقب المتوارث في الدوحة الكرامية الممتدة من عبد الحميد كرامي مرورا بالرئيس الشهيد رشيد كرامي ومعن، وصولا الى خالد وفيصل.

كان متهما بأنه “طرابلسي” اكثر من اللزوم، ولم يكن ذلك ليزعجه على الاطلاق. طرابلس دائما عنده في القلب، ومنها الى بيروت حيث “يركب” “لقاء الثلثاء” الذي غالبا ما ينتهي بغداء مع بعض رفاق الصبا وابرزهم الحاضر الدائم القاضي امين حمود، رفيق المدرسة.

كان يمازح الجميع. على العازبين كان يقترح الزواج من “طرابلسية”. ولم يكن يطيق بيروت من دون رفيقة العمر “أم خالد”. روى لي مرة انه كان مرتبطا بمناسبة سياسية وقد سبقته الى طرابلس، عاد بعد منتصف الليل الى منزله البيروتي، قال: “احسست ان البيت فارغ. اقفلت الباب وعدت وانطلقت الى طرابلس”، رواها ليخلص الى الحديث عن اهمية الزواج والاستقرار والسكينة!

كان “بيتوتيا” الى أبعد الحدود، وقد شكل مع رفيقة العمر السيدة مريم مصباح قبطان عائلة رائعة تضم خالد وفيصل، ويُمن وزينة، وقد انضم اليها لاحقا صهران هما عبدالله كرامي وسعدي غندور، وكانت عنده “جمعة” العائلة مع البنات والبنين والاحفاد هي الأحلى والاكثر دفئا.

“مهضوم” كان “عمر أفندي”، وهم المتهم بالانفعال السريع، كان يحصل ذلك احيانا، لكنه في الوقت نفسه كان طيّب القلب، يبحث عمن يمكن ان يكون قد “زعل”، واذا غاب زائر دائم كان يسأل عنه: “يا عمي وينك؟ أهلا بالقاسي اللي اشتقنالو”…

لم يكن يساير احدا في السياسة، كان يستعمل “المدفعية الثقيلة” اذا غضب واراد اتخاذ موقف حاسم، وفي الوقت نفسه كان يترك الباب “مشقوقا” على احتمال اصلاح الخلل، لذلك كان محبوبا حتى من ألد خصومه السياسيين.

الدفق السياسي على منزله في بيروت فور اعلان وفاته، كان يشبهه تماما: من أقصى اليمين الى اقصى اليسار… من 14 و8 آذار وما بينهما، وكذلك الامر بالنسبة الى الحشد الشعبي والسياسي في طرابلس. كان “فاتحا” على الجميع ولم يقفل الباب يوما في وجه اية مصالحة، حتى الأشد إيلاماً…

بغيابه يفتقد المشهد السياسي علامة فارقة، ويبدو واضحا انها لن تغيب، وستبقى وتستمر من خلال فيصل، باللكنة نفسها وبالصوت نفسه… تخال أنك مع “عمر أفندي” عندما تسمع صوت فيصل!

رحمه الله، تلك سنّة الحياة. الموت حق!