لا نريد أن نكذب لا على أنفسنا ولا على القارىء، ومن واجبنا الأخلاقي أن نقول ما يمليه ضميرنا، فنحن الذين نعيش بين الناس ونسمع لما يقولون وهم يوجهون إلينا أسئلة قاسية ويحملوننا مسؤولية عدم إيصال صوتهم للرئيس سعد الحريري تحديداً، ويحملوننا مسؤولية شراكة فيما آلت إليه الأمور بينهم وبين المسؤولين في تيار المستقبل… لذا؛ الحقّ أحقّ أن يُقال…
عَرف الرئيس الشهيد رفيق الحريري كيف يتعاطى مع مشاعر أهل بيروت، كان أوّل ما فعله عام 1993 أن وقف جنباً إلى جنب مع الرئيس صائب بك سلام أمام عدسات الكاميرات ويده في يده معلناً تدشين أعمال إعاده إعمار وسط بيروت، ولم يتوخّ الرئيس الحريري الأب هذه الصورة الأولى؛ معرفته بحساسيّة «البيارتة» لمن هو من خارج مدينتهم، ولأنّ صائب بك سلام رمزٌ بيروتي اصيل وهو وبيروت المحروسة توأمان لا ينفصلان.
وهنا نقول بصدق؛ حملة المستقبل للانتخابات البلدية في بيروت استفزّت الكثير من أبناء العاصمة، فلا «أم خالد» و»السكسوكة» و»الحسونة» كانت خطاباً يليق بالرئيس سعد الحريري ولا بأبناء بيروت، ولا جلسات «الأركيلة» التي زادت من استفزاز مشاعرهم، لأنّ أمين عام تيار المستقبل ليس من أهل بيروت ولا يعرف أنّ «زعران» حركة أمل ومنذ اجتاحت ميليشياتهم بيروت وهم يطلقون على أهلها سخرية كلمة «شو يا أركيلة»، حتى ابتلى الله جماعة أمل وحزب الله بداء دليفري أراكيل المعسل!! ليست هذه بيروت التي أحبها واحترم أبناءها الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ولا يتحمّل وزر هذه الدعاية الفاشلة الرئيس سعد الحريري، بل يتحمّله من «أبدع سوقيّتها»، ويجب أن يُحاسب!!
اكتسحَ اللواء أشرف ريفي، الابتهاج بانتصاره البلديّ امتدّ من طرابلس إلى الأشرفية، وبدأت اعترافات المسؤولين المستقبلييّن تخرج إلى العلن بعد هزيمة طرابلس المريرة، فيما لا يزال بعضهم يُكابر ويتجاهل ويدّعي مع أنه «سقط» في منطقته، أنّ الخسارة هي لنجيب ميقاتي، وهذا جزء من الحقيقة، لأنّ الجزء الأكبر منها يعني المستقبل بالدرجة الأولى، وهنا لا بُدّ أن نعود بالذاكرة إلى 14 آذار العام 2005، كان الشمال له في ساحة الحريّة، طرابلس رفعت الصوت عالياً ضدّ بشّار الأسد والنظام السوري الذي أشبعها تنكيلاً وقتلاً واختفاءً لأبنائها، وهنا نقول؛ لا يُمعننّ البعض في توسيع الجرح بين الرئيس سعد الحريري واللواء أشرف ريفي، ولا يزيد طين الانتخابات البلديّة بلّة فيجعله يُغرق الانتخابات النيابيّة المقبلة، لأنّ طرابلس حوّلت رسالة بيروت التي رفض أن يصدّقها مجموعة المستشارين والمحيطين بالرئيس سعد الحريري، ونخصّ هنا مجدداً وبشكل مباشر أمين عام تيّار المستقبل أحمد الحريري، ففيما كانت معظم الطائفة السُنيّة واقعة تحت وطأة صدمة «التسوية» التي اقترحها الرئيس الحريري لانتخاب سليمان فرنجيّة رئيساً للجمهوريّة، ورفضت هذه التسوية، ذهب إلى طرابلس التي بينها وبين «سليمان الزغير» ما فعل الحدّاد ليهين أهل طرابلس في مدينتهم ويرفع صوته في وجوه الحاضرين قائلاً لهم «لا صوت يعلو فوق صوت سعد الحريري»، فوقعت الإهانة في وجوه الجالسين وزادت المقصود بالإهانة اللواء أشرف ريفي محبّة وكرامة على قلوب أبناء بلدته.
يا دولة الرئيس، رحم الله والدك الشهيد لم ينقطع يوماً عن لقاء الناس البسطاء العاديين، ولم ينقطع يوماً عن قراءة صحف لبنان الصباحية، والعربية أيضاً، وكان يهتم بوجود صحافيين حقيقيين في مجلسه وأن يلتقي بهم دائماً لأنّهم عين الناس ونبض الشارع، لم يسمح أن تحاصره يوماً مجموعة مستشارين، كان يأخذ هاتفه ليتصل بصحافي كتب مقالة ضده في أمر معين، لم يسمح لأحد أن يحاصره تحت أي عنوان على الأقل منذ العام 1998 وحتى تاريخ 14 شباط العام 2005، وللمفارقة كانت آخر جلسة له في وسط بيروت مع مجموعة من الصحافيين، ولكن ليس الصحافيين «الزقّيفة» الذي يوافقونك على أي أمر تقول حتى ولو كان سيكبّدك خسارة فادحة.
في السنوات الخمس التي قضيتها في منفاك الاختياري خُلِقت مسافة عازلة بينك وبين ناسك وجمهورك في طرابلس وبيروت والإقليم وعكار وصيدا، والذين بقوْا هنا لتسيير الأمور لا دراية لهم بالأمر، ولا يملكون من الخبرة والحنكة ما يسوسون به أمور الناس… يا دولة الرئيس حان وقت إعطاء إجازة لكثير من المحيطين بك، يا دولة الرئيس ثمة مثل مصري شعبيّ يقول: «الصاحب اللي يخسّر هو العدوّ المبين»، حاسب وعاقب من أوصل تيار المستقبل إلى نتيجة طرابلس، ولا تُصدّق أبداً أنّ «التوك» في شعبيّة نجيب ميقاتي، التوك في الذين استخفوا بالناس على مدى سنوات خمس ابتعدت فيها عن لبنان، لا نريد أن نصل إلى قول ما يقوله «الميقاتيون خسرنا البلدية ولكننا حافظنا على الزّعامة» قياساً على تلك الجملة الشهيرة في حرب أكتوبر السوريّة: «خسرنا الجولان وربحنا النظام»!! ولا أن يبلغ الحال بنا ما قاله بالأمس الرئيس نبيه بري: «من لا يلتقط مؤشرات البلدية أعمى أو أغشى»، وأنت لا هذا ولا ذاك يا دولة الرئيس…
هذا غيض من فيض مما تمتلىء به قلوب الناس، على الأقل منذ وقفت على باب المحكمة الدولية وأعلنت موافقتك الجلوس مع حزب الله في حكومة واحدة، بعد رفض استمر عامين حتى يعود حزب الله من سوريا، فلا هو عاد، ولم نفهم على أي أساس ولد الحديث عن «ربط النزاع»، كلّ هذا من دون أن يلفتك أحد مستشاريك الذين نفترض بهم الإخلاص، إلى أن الأمر يحتاج إلى مقدّمة، لن تحتاج إلى إطلالة تلفزيونيّة تشرح فيها للناس نيتك قبل أن تقدم على الخطوة، لا بعدها، هذه المفاجآت ومنها ترشيح سليمان فرنجية أوصلتنا إلى صدمة تلو صدمة وآخرها تغريدة «أشرف ريفي لا يمثلني»، وها هي انتخابات طرابلس تثبت أنه يمثّل الناس، لا حيتان تحالف المال والوصاية السورية ومن أحرقوا شوارع طرابلس على أهلها…
للطائفة السُنيّة عادة درجت عليها منذ كانت الانتخابات النيابية، ناسها وأهلها يلزمون الصمت ولا يردّون إلا في صندوق الانتخابات، وقد جرّبت أنت هذه الأمر عندما انتخبت بيروت في العام 2009 بجنون في وجه 7 أيار…
صدّقني دولة الرئيس، الأمور ما زالت في طور عتب الأحبّة، ليس أكثر، كان من الخطأ اتهام أهل بيروت بأنهم عديمي الوفاء، أو أنهم بلا وفا للرئيس الشهيد رفيق الحريري، منذ 14 شباط 2005 وحتى لحظة كتابة هذا المقال، بيروت وفيّة لدماء الرئيس الشهيد الحريري، ولكنّها لا تقبل أن يتهمها بعض من «المستفيدين» من المستقبل بأنّها كانت قليلة الوفاء، وهذا غيض من فيض يا دولة الرئيس، يا ولدنا، وحبيبنا، أنت أمانة غالية في أعناقنا تركها لنا والدك الشهيد، ولا يعنينا المحيطين بك، فسيأتي وقت تكتشف أنهم أهل ضرر… وكفى.