ــــ ١ ــــ
من أضعف نقطة سيتغير كل شيء.
نقاط القوة القديمة تندفع الى انتحارها. او هاويتها. او كلاهما معاً. فالحكومات المستقرة ليست كذلك. كما ان الأكثر قدرة على الذبح سواء كان عبر جيوش نظامية او ميليشيات مرتزقة الخلافة مثل داعش… لا مستقبل لها.
كل الأطراف على الحافة.
يستوي في ذلك أمراء الحرب والطوائف في لبنان الذين يفترضون أنهم قادرون بإيقاظ قطعان البلطجة، أو أقوى الأنظمة الجمهورية، ولا جنون الملكيات المحافظة، ولا واحات وملاعب الأمم (لبنان نموذجاً) لديها قدرة على الشعور بالأمان والثقة في السيطرة على المستقبل ولو بمزيد من الدماء او نشر الخوف.
وسنرى مثلاً، أنه حتى دخول روسيا عسكرياً إلى الساحل السوري، ليس دليلاً على تحرك جدي من أجل «استعادة» سوريا، ولكن على أن طرفاً ما يركب سير المباراة في الإقليم.
بل إن «مأساة» مثل اللاجئين يمكنها ان تبدل المعادلات، كما حدث بعد الحرب العالمية الثانية حين فضح الهروب الجماعي قدرة «القوانين القديمة» على حل الجنون بالسلطة.
وقتها كان جنون السلطة يعني تكوين امبراطوريات خلاصية (فاشية/نازية) تقدم الحل للعالم على يد مجانين مثل هتلر وموسوليني، اليوم جنون السلطة يقدم نفسه في شكل حماة «الدولة».
سترى جماهير الطوائف في لبنان يخرجون على «الحراك» بمقتضى الحفاظ على الدولة (التي لم تقم أصلاً)، يقاربهم في مصر دعاة إطلاق يد الرئيس من دون دستور ولا قوانين ولا مؤسسات لعودة متطرفة الى حكم «الفرد الواحد» فإنهم يدَّعون أن ذلك «انقاذ للدولة..».
وكأن «الدولة» ديانة لا يفهمها… إلا كهنة يسيطرون على قطعان يسمونها «الشعب» عندما يريدونهم حشوداً لمصلحتهم… ويلقبونهم بالخونة/ المأجورين/ الشياطين عندما يخرجون مطالبين بحياة تشبه الحياة التي يعيشها الناس حولنا.
ــــ 2 ــــ
لا نعيش في جزر معزولة.
هذا ما لا يفهمه كهنة «الديانة الدولتية» فالعالم مفتوح. تتكسر الحدود على متسوى النظر والعقل والوجدان، بينما تزداد غلظة وقتامة في الواقع.
ولهذا لم يكن من الممكن إخفاء غارة الأباتشي في مصر التي قتلت السياح المكسيكيين، ولا دفاع الحكومات عن حكوماتها، لتقارن بينها وبين وضع المواطن المصري الذي كانت ستدفن روايته معه ويوصف بأنه «إرهابي».
كما أنه لم تعد الرائحة تختفي من ارتباط نظام الطوائف في لبنان بالفساد، ولا خرافات تبرير الاستبداد بمؤامرات دولية أو استعمارية، فالناس ترى الحياة، واللاجئون في سوريا ليسوا سوى ضحية صراع دموي بين نوعين من الاستبداد.
وهنا لم يعد ممكناً بخروج اللاجئين تحويل سوريا الى ملعب أممي عادي، ولكن الناجين من الموت بالصواريخ والبراميل والمدافع وعبور البحار وقسوة حراس الحدود فإنهم مبشرون غالباً بعالم جديد… لا تصلنا إشاراته هنا لأننا في «المعمعة» نتابع العروض المحلية التي تستعرض فيها السلطويات القديمة (من آلهة الدولة في مصر إلى آلهة الطوائف في لبنان..) قدراتها على الترويض.
..وإن كان الاختلاف هذه المرة أن الترويض يتم بمشاعر ذعر مفرط… ربما للمرة الاولى منذ أن وضعت على هذه البقع الجغرافية لافتات تقول إنها «دول ..».
ــــ 3 ــــ
وهذه ليست دولاً…
إنها «إقطاعيات» تملكها طبقات حاكمة… سماسرة.. وتبدو الآن في مرحلة توجيه رسائل تحمل معنى متكرراً إلى الناس الذين يرغبون في التغيير… هي رسالة واحدة تقول: «سنعود على رقابكم.. سنقتلكم في الشوارع لأننا لا نحتمل اختلافكم.. أنتم حشرات لا تستحقون سوى إهاناتنا أو رصاصاتنا… وبينهما ليس لدينا لكم سوى زنازين مزدحمة وحفلات تعذيب يومية… أنتم لستم شعباً.. أنتم قطيع هائج، يمكن أن تتمردوا علينا، لكنكم ستعودون الى جحيمنا الذي هو افضل، لأنكم لا تعرفون العيش إلا في ظل الكرباج والسفالة والسيف الذي يلاحق كل شارد عن السرب.. نعم إنكم قطعاننا التي تمردت علينا، ونحن: كفيلون بإعادتهم الى طاعتنا… سنخرج عليكم فرق البلطجية إن لم تقتلكم فلسوف تلتهمكم ألسنتهم التي تلتف حول كل إنسان يستحق حياة أفضل ودولة محترمة… هذه دولتنا… دولتنا ألا تفهمون؟»
…هذا هو الخطاب الذي يصل الى الخائفين من المحيط الى الخليج… خطاب يجعل الناس حيارى: هل يؤمنون بديانة الدولة او يهربون في مغامرة اللجوء.. أم يبقون في مخابئ المتفرجين؟