Site icon IMLebanon

“أمن الدولة” يعود إلى “أحضان” بري… بمباركة عونية!

 

لا يستطيع أي مواطن يؤيّد مشروع الدولة الوقوف في وجه تطوير الأجهزة الأمنية الشرعية، لكن ما يحصل في لبنان هو أنّ تلك الأجهزة تعاني في هذا الزمن السيّئ نتيجة الإنهيار المالي والسياسي الذي يضرب البلد إضافةً إلى الأزمة السياسية المفتوحة على مصراعيها. عادت قضية دور جهاز أمن الدولة وصلاحياته إلى الواجهة من جديد بعد قضية توقيف الناشط وليم نون والتحقيق معه، في حين أنّ الجهاز تحرّك بناءً على إشارة القضاء المختص.

 

لكن القضية هنا ليست بالتوقيف أو محاولة تجنيد جهاز معيّن للقيام بأعمال قمع رفض قائد الجيش العماد جوزاف عون القيام بها منذ انطلاقة إنتفاضة 17 تشرين على رغم بعض التجاوزات التي حصلت من معظم الأجهزة، بل إن القصّة هي في كيفية إدارة جهاز أمن الدولة ومن أصبح صاحب القرار في تسيير أعماله.

 

في الدول الديموقراطية، ومن ضمنها لبنان، يتم إنشاء عدد من الأجهزة الأمنية خوفاً من أن يقبض جهاز واحد على كل الأمن الإستراتيجي للدولة ويصبح دكتاتورياً، من هنا يوجد في لبنان أربعة أجهزة رئيسية وهي: الجيش، قوى الأمن الداخلي، الأمن العام وأمن الدولة.

 

ونشأ جهاز أمن الدولة في الحرب خلال عهد الرئيس أمين الجميّل بعد سلسلة حوارات داخلية وخارجية ومن ضمنها الذهاب إلى مؤتمر «جنيف» الذي امتدّ من31 تشرين الأول إلى 4 تشرين الثاني 1983، ومن بين نتائج الحوارات كان هناك مطلب شيعي يتمثّل بضرورة أن يرأس الشيعة جهازاً أمنياً على غرار المسيحيين والسنّة، فكان «إختراع» جهاز أمن الدولة.

 

ونصّت الفقرة الخامسة من المادة السابعة من قانون الدفاع الوطني تاريخ 16/9/1983 والمعدّل بالمرسوم الاشتراعي رقم 1 تاريخ 26/09/1984 والمعدّل بالمرسوم الاشتراعي رقم 39 تاريخ 23/03/1985، على إنشاء المديرية العامة لأمن الدولة لتكون ذراع المجلس الأعلى للدفاع الذي يرأسه رئيس الجمهورية ونائبه رئيس مجلس الوزراء، من منظومة مهمّتها تحصين الدولة ضد الأخطار الداخلية والخارجية، على أن تنفّذ المديرية العامة مهامها انطلاقاً من روح الدستور اللبناني، وتكرّس لذلك هدفاً وحيداً هو حماية لبنان.

 

وتنفيذاً لمبدأ المساواة، ذهبت رئاسة الجهاز إلى العميد مصطفى ناصر الذي تولّى المهام من كانون الأول 1984 إلى 17 شباط 1988 وخلفه اللواء الركن نبيه فرحات من 17 تشرين الثاني 1988 إلى21 كانون الأول 1998.

 

ومع وصول الرئيس إميل لحود إلى سدّة الحكم وتصاعد نجم الشيعية السياسية وتوسّعها ومطالب أفرقائها بدور أكبر في الحياة السياسية والإدارية، وأمام التراجع المسيحي والماروني، إنتزع لحود رئاسة الأمن العام من المسيحيين وأعطاها للشيعة عبر تعيين اللواء جميل السيد كأول مدير عام شيعي للأمن العام.

 

وشكّل منصب مدير عام الأمن العام خلال فترة حكم «المارونية السياسية» إحدى أهم أذرع رئيس الجمهورية، وبذلك ذهبت رئاسة أمن الدولة إلى المسيحيين وتحديداً إلى الكاثوليك حيث عُيّن اللواء الركن إدوار منصور كأول مدير عام مسيحي لأمن الدولة وتولّى مهامه في21 كانون الأول 1998 واستمرّ حتى 5 أيار 2005، وخلفه العميد الياس كعيكاتي الذي انتهت ولايته في 20 آذار 2010، من ثم تولى اللواء جورج قرعة رئاسة المديرية من 15 أيار 2010 إلى 8 آذار 2017، وبعد انتهاء ولاية قرعة يتولّى اللواء طوني صليبا حالياً منصب المدير العام لأمن الدولة.

 

ويبدو جلياً أن المعركة التي خاضها اللواء قرعة ورئيس شعبة المعلومات في أمن الدولة العميد بيار سالم منذ أواخر عام 2015 لم تنته فصولها بعد، وظنّ الجميع أنه مع تولي العماد ميشال عون رئاسة الجمهورية وهو الذي يحمل شعار «إسترجاع حقوق المسيحيين» ستنتهي الفوضى الإدارية في أمن الدولة.

 

وللتذكير، فإنّ قرعة خاض المعركة الأشرس مع نائبه العميد محمد الطفيلي المدعوم من حركة «أمل» والرئيس نبيه برّي، والذي طالب بصلاحيات توازي صلاحيات المدير العام مستفيداً من غياب رئيس للجمهورية وامتلاكه فائض القوة، وقد خاض قرعة معركة شرسة، حيث وقف ضده إضافةً إلى بري، رئيس الحكومة آنذاك تمام سلام، وزاد الطوق على قرعة والجهاز بعد مساندة وزارة المال للطفيلي وحجب النفقات السرية والمخصصات عن الجهاز. وتحوّلت المعركة إلى مسيحية بعد مساندة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الحقَّ، حيث لا يجوز أن يتمتّع نائب المدير العام بصلاحيات توازي صلاحيات المدير.

 

ومع انتخاب عون رئيساً وتعيين صليبا خلفاً لقرعة، كان اللواء الحالي أمام فرصة لإعادة تفعيل عمل الجهاز بسبب دعم العهد له وعلاقته الجيدة مع عون، لكن الأمور زادت سوءاً. إذ إن المعلومات تشير إلى أنّ قبضة نائب المدير عادت كما كانت، فالعميد حسن شقير الذي يشغل موقع نائب الرئيس هو من يمسك شؤون الجهاز ويسيّر أموره وهو «الكل بالكل»، مع فارق جوهري أنّ كل هذا الأمر يتمّ برضى اللواء صليبا، ويُسجّل غياب لافت لصليبا عن هموم وشجون الجهاز، ويتصرّف كأنه رئيس فخري للجهاز بينما السلطة الحقيقية تذهب لنائبه، وهنا تكمن الخطورة خصوصاً أنّ «الثنائي الشيعي» يتمسّك بالمراكز ولا يتركها ويكرّس أعرافاً غير موجودة مثلما يحصل في وزارة المال والمدير العام للأمن العام، والخوف من تكريس أعراف جديدة في أمن الدولة تجعل كل نائب رئيس يطالب بالصلاحيات نفسها الممنوحة له حالياً.

 

وترتفع صرخة عناصر جهاز أمن الدولة على قيادته كما كل موظفي الدولة، إذ إن التعبئة بالجهاز في أدنى مستوياتها نتيجة الوضع الإقتصادي السيّئ، ويشهد الجهاز حالات فرار، بينما لا مساعدات تأتي إلى الجهاز كما يحصل مع عناصر الجيش اللبناني، ولا يقتصر الأمر على الرواتب المتآكلة، بل إن الأمر وصل إلى حدّ المسّ بالإستشفاء الذي لا يغطي أفراد المؤسسة وعائلاتهم.

 

وأمام هذا الواقع، فإنّ الفوضى متحكّمة بجهاز أمن الدولة، فمن جهة يحاولون إدخاله في الزواريب السياسية، ومن جهة أخرى فإن الوضع الإقتصادي يهدّده، بينما يظهر في المشهد العام أن العونيين الذين خاضوا معركة لخطف رئاسة هذا الجهاز سلّموا إدارته بطريقة غير مباشرة لبري.