قبل فترة قصيرة، أوقف عناصر من «أمن الدولة» شابين سوريين وعذّبوهما لإجبارهما على «الإقرار» بالانتماء إلى تنظيم «الدولة الإسلامية». أُحيل الموقوفان إلى القضاء و«دبغات» الدم المتجمّد الناجمة عن التعذيب ظاهرة في أنحاء متفرّقة من جسديهما.
لكن مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر، فور اطلاعه على الملف، أمر بترك الموقوفَين فوراً. وعلمت «الأخبار» أنّ صقر كان في صدد الادعاء على الضباط والعناصر المتورطين في تعذيب الشابين، قبل أن يعدل عن قراره.
وهذه لم تكن الحالة الأولى من نوعها. ففي حادثة مماثلة، أوقف عناصر الجهاز عمّالاً سوريين بعد خلاف في ما بينهم. وأثناء التحقيق معهم، أجبروهم على الاعتراف بأنهم يشكّلون خلية تابعة لتنظيم «الدولة الإسلامية»، وكانوا في صدد التحضير لعمليات انتحارية، علماً بأنه لم يُضبط في حوزة الموقوفين أي مواد ممنوعة أو متفجرات أو أحزمة أو ما يفيد بنيتهم تنفيذ عملية إرهابية. أكثر من ذلك، فقد تبيّن أنّ من اتهم بأنه «أمير المجموعة» ينتمي إلى الطائفة الدرزية! وأُقفل الملف بترك الموقوفين من دون محاسبة المرتكبين.
مثل هذه الحوادث تتكرّر في أروقة «أمن الدولة»، عقب «معركة إعلامية» خاضها مدير أمن الدولة اللواء جورج قرعة ومعاونه العميد بيار سالم ضد نائب مدير الجهاز العميد محمد الطفيلي. ففي عزّ المزايدة السياسية، هاج القيّمون على المديرية بحثاً عن أي إنجاز، مهما كان الثمن، لإبعاد تهمة انعدام الإنتاجية عن الجهاز، ولا سيما أنّ «مهنة» مكافحة الإرهاب تعدّ «كسّيبة» في هذا الظرف العالمي.
يذكر أنه في ٢٧ حزيران الماضي، أحيل الطفيلي على التقاعد من دون أن يُعيّن بديل له. ومع شغور منصب نائب المدير العام، انفرط عقد مجلس قيادة المديرية بحسب مرسوم تنظيم هذا الجهاز، ليتفرّد قرعة بقرار المديرية، وبات في إمكانه بتّ كل المسائل التي كانت عالقة، من الترقيات إلى سفر الضباط وتسريح الرتباء وغيرها. وفي ١٦ تموز الماضي، أجرى قرعة تشكيلات طالت ١٦ ضابطاً بشكل مخالف للقانون. فيما تتحدث المصادر عن تقديم اثنين من حراس الطفيلي طلبات لتسريحهما بعد ممارسة كيدية في حقهما إثر إحالة نائب المدير إلى التقاعد. كما يتردد حديث في دوائر المديرية عن صفقات مشبوهة، من بينها شراء قرطاسية خلافاً لرأي ديوان المحاسبة، وإبرام مديرية «أمن الدولة» صفقة لشراء ١٠٠٠ بندقية حربية بممشط واحد ومن دون حمّالة أو عدة تنظيف. وهو ما ردّته مصادر مطلعة الى نية القيّمين على الجهاز عقد صفقة أخرى لشراء المماشط والحمّالة وعدة التنظيف! فضلاً عن علامات استفهام تحيط بالمصاريف السرية المخصصة للاستعلام والمخبرين والقطعات الإقليمية. وهي مصاريف تصل الى مئات ملايين الليرات في جهاز لم يُسجّل له إنجاز واحد طوال ست سنوات من تولّي قرعة رئاسته، فبات يبحث عما «يخلّده» عبر توقيف أبرياء عنصرياً وتعريضهم للتعذيب والانتهاك.